للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"التشابه الذى هو التماثل لا يكون بالموافقة في بعض الصفات، بل الموافقة في جميع الصفات الذاتية التي يقوم بها أحدهما مقام الآخر، وأما التشابه في اللغة فإنه قد يقال بدون التماثل في شيء من الحقيقة، كما يقال للصورة المرسومة في الحائط: إنها تشبه الحيوان، ويقال: هذا يشبه هذا في كذا وكذا، وإن كانت الحقيقتان

مختلفتين، ولهذا كان أئمة أهل السنة ومحققو أهل الكلام يمنعون من أن يقال: لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه؛ فإن مقتضى هذا كونه معدوما" (١) ، "وهذا

معلوم بالفطرة البديهية التي لا يتنازع فها العقلاء الذين يفهمونها" (٢) .

ومع تقرير شيخ الاسلام لهذه المسألة، إلا أنه ييين أن المتكلمين الذين يصرحون بنفي التشبيه مطلقا طائفتان:

طائفة: يطلقون القول بنفي التشبيه، ويقصدون أن الله لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوهـ وهذا الذى صرح به النفاة من الجهمية- فهؤلاء يقتضي قولهم أن يكون معدوما لأنه ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك وقدر مميز.

وطائفة أخرى: يطلقون القول بنفي التشبيه، ويقصدون به التمثيل، فهؤلاء متفقون على نفي التماثل بوجه من الوجوه، وهو قول صحيح قد دل عليه القرآن، والعقل أيضا، فالخلاف مع هؤلاء لفظي حيث سموا التمثيل تشبيها (٣) .

وعلى قول هاتين الطائفتين يكون لفظ "التشبيه" من الألفاظ المجملة، التي قد تحتمل أكثر من معنى، ومن ثم فقبل الإثبات والنفي لابد من الاستفصال عن المعنى الذى يقصده القائل.

ولكن "لفظ "الشبه" فيه إجمال وإبهام، فما من شيئين إلا وهما متفقان في أمر من الأمور، ولو في كونهما موجودين، وذلك الذي اتفقا فيه لا يمكن نفيه إلا بنفي كل منهما، فإذا قيل: هذا لا يوافق هذا بوجه من الوجوه،


(١) نقض التأسيس- مطبوع- (١/٤٧٧) .
(٢) نقض التأسيس- مخطوط (٣/٢٥٥) وقد أحال في تفصيل القول في ذلك على بعض كتبه كالأجوبة المصرية، وجواب المسألة الصرخدية.
(٣) انظر: نقض التأسيس- مطبوع- (١/٤٧٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>