للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشترك فيه العقلاء أن ما لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه لا شيء، كما نقل الناس أن جهما يقوله، ولهذا قال: فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يثبتون شيئا، أي لجميع العقلاء، فإن هذا لا يختص أهل السمع والكتاب، بل يشترك فيه العقلاء كلهم. فهذا سؤال عن كونه موجودا، ثم سألهم عن كونه معبودا فإن هذا يختص به من يوجب عبادة الله، وهم المسلمون قديما وحديثا، قال: " فإذا قيل لهم: فمن تعبدون؟ قالوا نعبد من يدبر أمر هذا الخلق، فقلنا: هذا الذي يدبر أمر الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة؟ قالوا: نعم، قلنا: قد عرف المسلمون أنكم لا تثبتون شيئا، إنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون" (١) ، فهنا جعل الكلام من المسلمين الذين يعبدون الله تعالى، والعبادة متضمنة لقصد المعبود وارادته، والقصد والإرادة مستلزم لمعرفته والعلم به. فلما قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق ثم قالوا: هو مجهول لا يعرف بصفة، كان قولهم هو مجهول لا يعرف بصفة تبين (٢) للمسلمين الذين يعبدون، أنهم لا يثبتون شيئا يعبدونه، وإنما هم منافقون في ذلك، لأن ما لا يعرف بصفة يمتنع أن يقصد فيعبد، فعرف المسلمون بطلان قولهم: يعبدون الله ويثبتونه، كما عرف أهل العقل بطلان كونهم يقرون بوجوده ويثبتونه، وهم الذين أنكروا أن يعرف بصفة، فأنكروا صفاته مطلقا وأنكروا أن يشبه بالأشياء بوجه من الوجوه، فأنكروا بذلك وجوده " (٣) .

وكلام الإمام أحمد يدل على مبلغ علم ووعي أئمة السلف رحمهم الله، ومعرفتهم بمداخل أئمة البدع الذين يزخرفون أقوالهم بعبارات التنزيه، وهم يقصدون من وراء ذلك أن يصلوا إلى ما يهدفون إليه من نشر البدع والتعطل.

والإمام أحمد لما قرئ عليه كتاب المحنة- زمن المأمون- وبلغ قوله "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" [الشورى: ١١] ، وهو خالق كل شيء، قال الإمام أحمد عند قوله ليس كمثله شيء: وهو السميع البصير. فقال إسحاق ابن إبراهيم


(١) كلام الإمام أحمد في المصدر السابق، بعد الكلام السابق مباشرة وفيه "قد عرف المسلمون أنكم لا تؤمنون بشيء ".
(٢) كذا، ولعل صواباه بالياء.
(٣) نقض التأسيس- مخطوط- (٣/٢٦٣-٢٦٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>