الأول: قالوا: إنها تكون ولا مراد لها، بل لم يزل كذلك، ثم حدث مرادها من غير تحول حالها. وهذا معلوم الفساد ببديهة العقل، فإن الفاعل إذا أراد أن يفعل فالمتقدم كان عزما على الفعل وقصدا له في الزمن المستقبل لم يكن إرادة للفعل في الحال، بل إذا فعل فلابد من إرادة الفعل في الحال ... .
الثاني: قولهم: إن الإرادة ترجح مثلا على مثل. فهذا مكابرة، بل لا تكون الإرادة إلا لما ترجح وجوده على عدمه عند الفعل، إما لعلمه بأنه أفضل، أو لكون محبته له أقوى ... .
الثالث: قولهم: إن الإرادة الجازمة يتخلف عنها مرادها مع القدرة. فهذا أيضا باطل، بل متى حصلت القدرة التامة والإرادة الجازمة وجب وجود المقدور وحيث لا يجب فإنما هو لنقص القدرة أو لعدم الإرادة التامة، والرب تعالى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ... " (١) .
وكذا جوابهم عن شبهة العلة التامة وقولهم: إنه يجب أن يتراخى عنها معلولها، فإنه جواب غير صحيح، كما أن قول الفلاسفة إنه يجب أن يقارنها معلولها بالزمان قول باطل. والصحيح قول ثالث: "وهو أن التأثير التام من المؤثر يستلزم الأثر، فيكون عقبه، لامقارنا له، ولامتراخيا عنه، كما يقال: كسرت الإناء
فانكسر، وقطعت الحبل فانقطع، وطلقت المرأة فطلقت، وأعتقت العبد فعتق، قال تعالى:"إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"[يس: ٨٢] ، فإذا كون شيئا كان عقب تكوين الرب له، لا يكون مع تكوينه ولامتراخيا عنه. وقد يقال: يكون مع تكوينه، بمعنى: إنه يتعقبه لا يتراخى عنه.
وهو سبحانه ما شاء كان ووجب بمشيئته وقدرته، وما لم يشأ لم يكن لعدم مشيئته له، وعلى هذا فكل ما سوى الله تعالى لا يكون إلا حادثا مسبوقا بالعدم، فإنه يجب أن يكون عقب تكوينه له فهو مسبوق بغيره سبقا زمانيا، وما كان كذلك لا يكون إلا محدثا، والمؤثر التام يستلزم وجود أثره عقب كمال
(١) مجموع الفتاوى (١٦/٤٥٨-٤٥٩) ، وانظر أيضا (١٦/٣٠٥) .