للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتقدير حدوثها كما تتغير صفات الجسم إذا تحرك بعد السكون، وكما تتغير ألوانه، وكما تتغير أشكاله، وهذا مما ينكره عليهم جماهير العقلاء من المسلمين وغيرهم" (١) .

ولكن شيخ الإسلام ينتقد طريقة الأشعري والرازي في إيراد هذا الدليل - دليل حدوث الصفات- لأمرين:

أحدهما: أن الطريقة التى جاء بها القرآن: الاستدلال بحدوث الأعيان والمخلوقات ذاتها من الإنسان وغيره، يقول شيخ الإسلام: "الطريقة المذكورة في القرآن هي الاستدلال بحدوث الإنسان وغيره من المحدثات المعلوم حدوثها بالمشاهدة ونحوها، على وجود الخالق سبحانه وتعالى، فحدوث الإنسان يستدل به على المحدث، لا يحتاج أن يستدل على حدوثه بمقارنة التغير أو الحوادث له، ووجوب تناهي الحوادث. والفرق بين الاستدلال بحدوثه، والاستدلال على حدوثه بين. والذي في القرآن هو الأول لا الثاني، كا قال تعالى: "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ " [الطور: ٣٥] ، فنفس حدوث الحيوان والنبات والمعدن والمطر والسحاب، ونحو ذلك، معلوم بالضرورة، بل مشهود لا يحتاج إلى دليل، وإنما يعلم بالدليل ما لم يعلم بالحس وبالضرورة (٢) ".

فالأشعري والرازي وغيرهم قصروا في هذا الدليل من جهة أنهم لم يستدلوا بنفس الحدوث وإيجاد الإنسان وغيره من عدم على وجود المحدث الخالق، وانما

استدلوا بتغير صفاتها وتحولها من حال إلى حال.

والثاني: أنهم بنوا ذلك على الجوهر الفرد، وأن الأجسام لم تزل ولا تزال من حين حدوثها باقية، وإنما التغير يقع على صفاتها، وأن الحادث إنما هو إجماع

الجواهر وافتراقها، وحركتها وسكونها، أو غيرها من الأعراض (٢) ، والقول بالجوهر الفرد- الذي-يزعم أصحابه أن الأجزاء تنتهي إلى جزء لا يتجزأ- قول

باطل وقد اعترف كثير من الأشاعرة وغيرهم ببطلانه. والذين قالوا به حاروا فيه،


(١) درء التعارض (٣/٨٣) .
(٢) درء التعارض (٧ / ٢١٩) ، وانظر شرح الأصفهانية (ص: ٢٦١) - ت السعوي.
(٣) انظر: درء التعارض (٧ / ٢٢٤-٢٣٢) ، وشرح الأصبهانية (ص: ٢٦١-٢٦٢) - ت السعوي- والنبوات (ص: ٧٣-٧٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>