واستشكل ذلك ابن عطية بأن العقيدة: أن السيئات لا تبطل الحسنات.
وقال غيره: تمسك المعتزلة بهذه الآية في أصلهم أن السيئة تبطل الحسنة (١)، واستنبط العلم العراقي من هذه الآية دليلاً لقاعدة: أن المانع الطاريء كالمقارن؛ لأنه تعالى جعل طريان المنِّ والأذى بعد الصدقة كمقارنة الرياء لها في الابتداء، قال: ثم إن الله ضرب مثالين أحدهما للمقارن المبطل في الابتداء بقوله: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ﴾ الآية، فهذا فيه أن الوابل الذي نزل قارنه الصفوان وهو الحجر الصلد وعليه التراب اليسير، فأذهبه الوابل، فلم يبق محل يقبل النبات، وينتفع بهذا الوابل، فكذلك الرياء وعدم الإيمان إذا قارن إنفاق المال.
والثاني الطاريء في الدوام، وأنه يفسد الشيء من أصله بقوله: ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ﴾ فمعناها أن هذه الجنَّة لما تعطل النفع بها بالاحتراق عند كبر صاحبها وضعفه وضعف ذريته - فهو أحوج ما يكون إليها يوم فقره وفاقته - فكذلك طريان المنِّ والأذى يحبطان أجر المتصدق، وأحوج ما يكون إليه يوم فقره وفاقته انتهى (٢).
أخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن مجاهد في قوله: ﴿أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا
(١) وما قاله المعتزلة بخصوص هذه المسألة حق لظاهر الآية؛ لذا قال ابن القيم في مدارج السالكين (١/ ٣٠٣)«والقرآن والسنة قد دلّا على الموازنة، وإحباط الحسنات بالسيئات، فلا يضرب كتاب الله بعضه ببعض، ولا يرد القرآن بمجرد كون المعتزلة قالوه - فعل أهل الهوى والتعصب - بل نقبل الحق ممن قاله، ونرد الباطل على من قاله».
(٢) نقل السيوطي كلام علم الدين العراقي من كتاب العلائي المجموع المذهب (١/ ٣٣٥)، وقال العلائي بعد ذكر كلامه، «وفي هذا الاستنباط مناقشة لسنا بصددها».