وقد أخرج الطبراني عن أبي أمامة، قال: انقطع قِبَال (١) النبي ﷺ فاسترجع، فقالوا: مصيبة يا رسول الله؟ فقال:(ما أصاب المؤمن مما يكره فهو مصيبة)(٢)، وله شواهد أوردتها في التفسير المسند.
فهم منها جماعة عدم وجوب السعي، وبه قال الثوري وإسحاق.
قال اللخمي: ورد القرآن بإباحته بقوله: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ﴾، وتضمنت الآية الندب بقوله: ﴿مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾، وقوله: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾.
قال ابن الفرس: وفيه نظر حيث جعله مباحاً مندوباً في آية واحدة، وقال قوم قوله: ﴿مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ دليل على الوجوب؛ لأنه خبر بمعنى الأمر ولا دليل على سقوطه في قوله: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ﴾؛ لأنه ورد لرفع ما وقع في نفوسهم كما ثبت في سبب نزولها (٣).
وهذا ما ردت به عائشة على عروة في فهمه ذلك، وقالت:(لو كانت على ما أولتها عليه كانت فلا جناح عليه ألا يطوف بهما الحديث)، أخرجه الشيخان.
وقد فهم ﷺ من الآية الوجوب حيث قال (إن الله كتب عليكم السعي) رواه
(١) القِبال: بكسر القاف هو زمام النعل، وهو السير الذي يكون بين الأصبعين.
(٢) أخرجه الطبراني في الكبير (٧٦٨٨)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٢/ ٣٣٤): رواه الطبراني بإسناد ضعيف، وكذا السيوطي في الدر المنثور (١/ ٣٧٩)، والعقيلي في الضعفاء (٢٠٥٥).
(٣) وذكر الشاطبي في الموافقات (١/ ٢٣١) مأخذاً مهماً فقال يتعلق بهذا الأسلوب، يحسن ذكره:" إذا قال الشارع في أمر واقع (لا حرج فيه) فلا يؤخذ منه حكم الإباحة؛ إذ قد يكون كذلك، وقد يكون مكروهاً؛ فإن المكروه بعد الوقوع لا حرج فيه ".