للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول الجد أب ويتلو ابن عباس: ﴿قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ﴾ الآية.

ورد عليه من الآية بذكر إسماعيل فسمى العم أباً، ولا يقوم مقامه إجماعاً (١).

• قوله تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ الآية [١٣٤].

قال الرازي: يدل على أن الأبناء لا يثابون على طاعة الآباء، ولا يعذبون على ذنوبهم (٢).

وفيه إبطال مذهب من يجيز تعذيب أولاد المشركين تبعاً لآبائهم (٣).

قال ابن الفرس: وفي قوله: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ﴾ إثبات الكسب للعبد (٤).

(١) أي: في حجب الإخوة الأشقاء، بخلاف الجد، ففيه خلاف.

والعرب تسمي العم أبًا، وفي الحديث عند مسلم (٩٨٣): «أنّ عم الرجل صنو أبيه»، أي: مثله، يستحق التعظيم والطاعة، وعدم العقوق، وهذا لا يعني أن كونه أبًا يأخذ جميع أحكامه.

لذا اعتبر الجصاص فأحكام القرآن (١/ ١٠٠) الاعتراض والرد الذي ذكره المصنف غير معتمد وقال: «لأنّ إطلاق اسم الأب إن كان يتناول الجد والعم في اللغة والشرع فجائز اعتبار عمومه في سائر ما أطلق فيه [كرام والطاعة]، فإن خصَّ العم بحكم دون الجد لا يمنع ذلك بقاء حكم العموم في الجد» أي يبقى إطلاق اسم الأب على الجد، والجد مساو للأب في معنى الولادة فجائز أن يتناوله اسم الأب، وأن يكون حكم الجد عند فقد الأب كحكم الأب.

(٢) لقوله ﴿وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

(٣) يستدل بالعموم ما لم يرد دليل يخصصه، وفي المسألة أدلة خاصة، ففي البخاري من حديث سمرة أنّه رأى مع إبرهيم أولاد المسلمين وأولاد المشركين. وفي الصحيحين أنّه سئل عن أولاد المشركين، قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» أخرجه البخاري (١٣٨٤)، ومسلم (٢٦٥٨)، وورد أنهم في النّار، كما في قصة قيس الأشجعي حين ذكر أن أمه ماتت في الجاهلية، وأنّها وأدت أختًا له، فقال: «الوائدة والموءودة في النار إلّا أن تدرك الوائدة الإسلام فيعفو الله عنها» أخرجه أحمد (١٥٩٢٣)، والنسائي في الكبرى (١١٦٤٩)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢/ ١٢٠٠).

(٤) كل الطوائف متفقة على الكسب مع اختلافهم في حقيقته: فعند الجبرية هو لفظ لا معنى له، ولا حاصل تحته؛ إذ لا كسب للعبد على الحقيقة، وما ينسب إليه فهو على المجاز؛ لأن العبد مجبور على أفعاله مقهور عليها، لا تأثير له في وجودها البتة، لذا قالوا: له قدرة غير مؤثرة وتسمى فعلاً مجازاً. وعند القدرية (المعتزلة) الكسب هو وقوع الفعل بإيجاد العبد وإحداثه ومشيئته من غير أن أن يكون الله شاءه أو أوجده؛ لأنهم يقولون أن العبد خالق لفعله. والكسب عند الأشاعرة هو مقارنة قدرة العبد الحادثة لفعله الذي يخلقه الله تعالى بقدرته وحده من غير أن يكون لقدرة العبد أي تأثير في الفعل، فإن الله سبحانه أجرى العادة بخلق عند قدرة العبد وإرادته، لا بهما فهذا الاقتران هو الكسب. وهم بذلك قاربوا قول الجبرية حتى وصف الخيالي في حاشيته على شرح العقائد النسفية ص (١٠١) مذهب الأشعري في أفعال العباد بأنه جبر متوسط. وانظر: حاشية المحقق (٣).

<<  <   >  >>