الثاني: استدل به بكر بن العلاء على أن السنة في البقرة الذبح (١).
الثالث: استدل به على جواز ورود الأمر مجملاً وتأخير بيانه (٢).
الرابع: استدل بقوله: ﴿لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ﴾، وبقوله: ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ على جواز الاجتهاد واستعمال غالب الظن في الأحكام؛ لأن ذلك لا يعلم إلا من الاجتهاد.
الخامس: استدل بها على أن المستهزئ يستحق سمة الجهل.
وذكر محمد بن مسعد أن عبيد الله بن الحسن العنبري القاضي مازحه فقال له: لا تجهل، قال: وأنى وجدت المزاح جهلاً فتلا عليه: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ (٣).
السادس: فيها الإرشاد إلى الاستثناء في الأمور في قوله: ﴿وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾.
(١) ومأخذ الحكم: شرع من قبلنا، فلم يقل: (أن تنحروا بقرة)، وامتثل بنو إسرائيل ﴿فَذَبَحُوهَا﴾.
قلت: لو قال بكر بن العلا أن الأفضل في البقر الذبح لكان أولى، وقد نقل ابن بطال إجماع العلماء على جواز النحر والذبح في البقر. أمّا الذبح فللآية، وأمّا النّحر فلقول عائشة ﵂: «دخل علينا يوم النحر بلحم بقر، فقلت: ماهذا؟، فقيل: نحر رسول الله ﷺ عن أزواجه البقرة» البخاري (١٧٢٠).
(٢) المجمل: ما لا يفهم معناه عند الإطلاق.
وقيل: ما احتمل أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر.
ونقل ابن الفرس في أحكام القرآن (١/ ٦٩) خلاف العلماء في كون ذبح البقرة من قبيل المجمل الذي يفتقر إلى بيان، أو أنّه عام، ويقصد العموم البدلي، وهو المطلق، وكونها مطلقة، وهوالصحيح.
وغلط ابن القيم القائلين بأنّه مجمل، وقال: «فإنّ الآية غنية عن البيان المنفصل، مبيَّنة بنفسها، لكن لما تعنتوا وشدودا شدد عليهم». إغاثة اللهفان (٢/ ٣١٤).
(٣) قال ابن عطية في تفسيره (١/ ٢٤٦) « … أن قول موسى ﵇: ﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾، يحتمل معنيين: الأول: الاستعاذة من الجهل في أن يخبر عن الله تعالى مستهزئًا.
الثاني: الاستعاذة من الجهل كما جهلوا في قولهم: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ لمن يخبرهم عن الله تعالى».