واستدل به أبو داود (٣) على أنه لا يصح صوم المريض والمسافر؛ لأنه تعالى جعل الواجب عليه أياماً أخر فكان صائماً قبل الوقت.
واستدل به الكرخي على أن الواجب أيام أخر ورمضان عليهما غير واجب فإن قُدِّم صح وكان معجلاً كتعجيل الزكاة.
واستدل بقوله: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ على جواز القضاء متتابعاً ومتفرقاً (٤).
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن شاء تابع وإن شاء فرق؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾.
(١) لورود ﴿مَرِيضًا﴾ و ﴿سَفَرٍ﴾ نكرتان في سياق الشرط، فيعمّ المرض اليسير، والسفر القصير.
ومن المآخذ كذلك العمل بأقل ما ينطلق عليه الاسم، فالعبرة بأوائل الأسماء.
وقيّده الجمهور بالمرض الذي يعسر الصوم معه، تحصيلًا لمصلحة العبادة، وقيدوا السفر بما تقصر به الصلاة.
(٢) مأخذه: ما سبق من عموم السفر؛ لكونه نكرة في سياق الشرط،، فيعم سفر الطاعة وسفر المعصية أو غير المباح.
والمقصود بالسفر المعصية: ما كان السفر ذاته معصية، كسفر الآبق، والناشز، ومن سافر للحرام، وفيه وقع الخلاف بين العلماء، هل يترخص برخص السفر، وهل تناط الرخص به، بخلاف السفر المباح الذي وقعت فيه المعصية، فالمعصية بالسفر، لا السفر ذاته، فإنّ الرخص تناط به.
(٣) أي استدل أبو داود بقوله تعالى ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، أي فعليه عدة، ولا حذف في الكلام ولا إضمار، وعضَّده بمثل قول النبي ﷺ(ليس من البر الصيام في السفر) كما عند البخاري (١٨٤٤)، ومسلم (١١١٥). وأما الجمهور فقد قدروا في الكلام محذوفاً، أي من كان منكم مريضاً أو مسافراً فأفطر فعليه عدَّة من أيام أخر، وأيدوا ذلك بمثل قول أنس ﵁:(كنا نسافر مع النبي ﷺ في رمضان، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم) أخرجه البخاري (١٩٤٧)، ومسلم (١١١٨) واللفظ له.
(٤) مأخذه: تنكير ﴿أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ فهو مطلق يصدق على المتابعة والمتفرقة، وكذا قول ابن عباس الذي ذكره المصنف.