لكن قال مجاهد الحصر حبس كله، أخرجه ابن جرير فيعم العدو والمرض وغيرهما (١).
وفي الآية رد على من منع التحلل من العمرة بالإحصار (٢)، وعلى من لم يوجب الهدي على المحصر (٣).
واستدل بها الحنفية على وجوب ذبحه بالحرم لا حيث أحصر، لقوله تعالى: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾، مع قوله تعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾، ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ (٤). وسيأتي عن ابن عباس في تفسير الآية.
(١) مأخذه: تفسير السلف، ومنه قول التابعين، وقد تكلم المرداوي في التحبير (٨/ ٣٧١٤) عن الخلاف في حجية قول التابعي، ونقل عن الإمام أحمد:"لا يكاد يجيء عن التابعين إلا يوجد عن الصحابة "، ثم نقل عن ابن تيمية قوله:"كلام أحمد يعم تفسيره وغيره ". قلت: وذلك لأن العلماء لا يزالون يحتجون بقولهم في التفسير، وهم في التفسير أوثق، وسبق بيان المأخذ من اللغة،، وأما من الخارج فلحديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وفيه قولها:«ما أجدني إلّا وجعة» فقال لها رسول الله ﷺ«حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني» أخرجه البخاري (٥٠٨٩)، ومسلم (١٢٠٧).
(٢) الذي منع التحلل من العمرة بالإحصار، ابن سيرين، وحجته أنّها غير مؤقتة.
وأجيب: بأنها وإن كانت العمرة غير مؤقتة لكن الصبر إلى زوال العذر ضرر.
أمّا مأخذ الرد من الآية: سبب نزولها؛ إذ إنّها نزلت في عمرة الحديبية، حيث منع النبي ﷺ وأصحابه من دخول مكة، وسبب النزول قطعي الدخول.
(٣) مأخذه: ما سبق أن (ما) في قوله: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ﴾ يحتمل أن تكون في محل رفع أو نصب. قال القرطبي في تفسيره (٢/ ٣٧٨): " (ما) في موضع رفع، أي فالواجب، أو فعليكم ما استيسر من الهدي، ويحتمل أن يكون في موضع نصب، أي: فانحروا، أو فاهدوا ".
(٤) مأخذه: حمل مطلق قوله: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ على المقيدين المذكورين.
وأجيب: أن المقيّد محمول في حق غير المحصر، أمّا المحصر فقد دلّ قوله تعالى: ﴿وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ وبيَّن النبي ﷺ محله، فذبح في الحلِّ، مما يدل على أنّه لا يشترط كونه في الحرم.