وبالجملة: فالحديث منكر. ولا يغتر بإيراد الحافظ له في (الفتح)(٧/ ١٨٨) ساكتاً عليه، بل كأنه احتج به!! فإنه خلاف التحقيق. والذي تحرر عندي أنه ليس كل حديث يسكت عليه الحافظ في (الفتح) يكون حسناً أو نحوه كما صرح هو بذلك، فقد أخل بشرطه هذا في مواضع كثيرة … وعذره: أن الشارح قد يشترط على نفسه شرطاً فيوفى به زمناً، ثم لا ينشط لتحقيق كل حديث لاسيما في مثل (فتح الباري) فإن فيه جمهرة كثيرة من الأحاديث، وتحري إيراد الثابت منها أمر لعله يصعب حتى على مثل الحافظ ابن حجر مع سعة دائرة حفظه، وجودة علمه، والإحاطة لله -تعالى- وحده. ولعله يكون عذراً مقبولاً. والله تعالى أعلم). وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة حديث (٣١٨١).
[سجود المشركين مع المسلمين وعودة المهاجرين]
قوله:(وسَقَطَ في أيديهم لما أحسوا أن جلال كلام الله لَوَّى زمامهم، فارتكبوا عين ما كانوا يبذلون قصارى جهدهم في محوه وإفنائه، وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب، ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين، وعند ذلك كذبوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وافتروا عليه أنه عطف على أصنامهم بكلمة تقدير، وأنه قال عنها ما كانوا يرددونه هم دائماً من قولهم: (تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهم لترتجى)، جاءوا بهذا الإفك المبين ليعتذروا عن سجودهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس يستغرب هذا من قوم كانوا يألفون الكذب، ويطيلون الدس والافتراء.
وبلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة، ولكن في صورة تختلف تمامًا عن صورته الحقيقية، بلغهم أن قريشًا أسلمت، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة، فلما كانوا دون مكة ساعة من نهار وعرفوا جلية الأمر رجع منهم من رجع إلى الحبشة، ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفيًا، أو في جوار رجل من قريش).