للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سورة الجن، وهو ما ذهب إليه الحافظان: ابن كثير، وابن حجر -رحمهما الله- كما يتضح من النقول الآتية:

قال الحافظ ابن كثير (١): ( … قال: فلما انصرف عنهم بات بنخلة فقرأ تلك الليلة من القرآن فاستمعه الجن من أهل نصيبين، وهذا صحيح، ولكن قوله: إن الجن كان استماعهم تلك الليلة فيه نظر، فإن الجن كان استماعهم في ابتداء الإيحاء كما دل عليه حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- المذكور، وخروجه -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف كان بعد موت عمه، وذلك قبل الهجرة بسنة، أو سنتين كما قرره ابن إسحاق وغيره، والله أعلم …

فهذه الطرق كلها تدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- ذهب إلى الجن قصداً فتلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الله -عز وجل- وشرع الله -تعالى- لهم على لسانه ما هم محتاجون إليه في ذلك الوقت وقد يحتمل أن أول مرة سمعوه يقرأ القرآن لم يشعر بهم، كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما-. ثم بعد ذلك وفدوا إليه كما رواه ابن مسعود -رضي الله عنه-، وأما ابن مسعود -رضي الله عنه- فإنه لم يكن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حال مخاطبته للجن ودعائه إياهم، وإنما كان بعيداً منه ولم يخرج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد سواه ومع هذا لم يشهد حال المخاطبة، هذه طريقة البيهقي، وقد يحتمل أن يكون أول مرة خرج إليهم لم يكن معه -صلى الله عليه وسلم- ابن مسعود -رضي الله عنه- ولا غيره، كما هو ظاهر سياق الرواية الأولى من طريق الإِمام أحمد، وهي عند مسلم، ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى، والله أعلم، كما روى ابن أبي حاتم في تفسير {قل أوحي إِلي} من حديث ابن جريج قال: قال عبد العزيز بن عمر: أما الجن الذي لقوه بنخلة فجن نينوى، وأما الجن الذين لقوه بمكة فجن نصيبين، وتأوله البيهقي على أنه يقول: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم على غير ابن مسعود -رضي الله عنه- ممن لم يعلم بخروجه -صلى الله عليه وسلم- إلى الجن، وهو محتمل على بعد، والله أعلم).

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله - (٢): (وذكر ابن إسحاق أن استماع الجن


(١) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٧/ ٢٩٦).
(٢) فتح الباري ط. دار الفكر (٧/ ١٧٢).

<<  <   >  >>