للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضاً (١): (الحكم بوضع الوثيقة مجازفة، ولكن الوثيقة لا ترقى بمجموعها إلى مرتبة الأحاديث الصحيحة، فابن إسحق في سيرته رواها دون إسناد مما يجعل روايته ضعيفة وأوردها البيهقي من طريق ابن إسحق أيضاً بإسناد فيه سعد بن المنذر -وهو مقبول فقط-، وابن أبي خيثمة أوردها من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو المزني - وهو يروي الموضوعات - وأبو عبيد القاسم بن سلام رواها بإسناد منقطع يقف عند الزهري - وهو من صغار التابعين فلا يحتج بمراسيله -.

ولكن نصوصاً من الوثيقة وردت في كتب الأحاديث بأسانيد متصلة، وبعضها أوردها البخاري ومسلم، فهذه النصوص هي أحاديث صحيحة، وقد احتج بها الفقهاء وبنوا عليها أحكامهم. كما أن بعضها ورد في مسند أحمد وسنن أبي داوود وابن ماجة والترمذي.

وهذه النصوص جاءت من طرق مستقلة عن الطرق التي وردت منها الوثيقة، وإذا كانت الوثيقة بمجموعها لا تصلح للاحتجاج بها في أحكام الشريعة سوى ما ورد منها في كتب الحديث الصحيحة - فإنها تصلح أساساً للدراسة التاريخية التي لا تتطلب درجة الصحة التي تقتضيها الأحكام الشرعية خاصة أن الوثيقة وردت من طرق عديدة تتضافر في إكسابها القوة، كما أن الزهري علم كبير من الرواد الأوائل في كتابة السيرة النبوية. ثم إن أهم كتب السيرة ومصادر التاريخ ذكرت موادعة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود وكتابته بينه وبينهم كتاباً (٢). كما ذكرت كتابته كتاباً بين المهاجرين والأنصار أيضاً.

كذلك فإن أسلوب الوثيقة ينم عن أصالتها "فنصوصها مكونة من


(١) السيرة النبوية الصحيحة (١/ ٢٧٥ - ٢٧٦).
(٢) البلاذري: أنساب الأشراف (١ - ٢٨٦، ٣٠٨)، والطبري: تاريخ (٢ - ٤٧٩)، والمقدسي: كتاب البدء والتاريخ (٤ - ١٧٩)، وابن حزم: جوامع السيرة ص (٩٥)، والمقريزي: إمتاع الأسماع (١ - ٤٩)، وابن كثير: البداية والنهاية (٤/ ١٠٣ - ١٠٤) نقلاً عن موسى بن عقبة، وفيه أن بني قريظة مزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد، والأثر موقوف عليه بدون إسناد، ولكن مجموع الآثار تتقوى ببعضها وتصل إلى درجة الحسن لغيره.

<<  <   >  >>