للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأفضل مع ذكر الروايات الضعيفة في السيرة أن يتبعها بيان ضعفها؛ فكم من القصص الباطلة والمكذوبة انتشرت بين الناس من خلال السيرة وصار إنكارها من الصعوبة بمكان؛ لشهرتها، وللجهل بالصحيح الوارد في موطنها.

وينبغي للدارس للسيرة النبوية أن يفرق بين ضعف نسبة الكلام للرسول -صلى الله عليه وسلم- وبين وجود ما يدل على أصل الحدث التاريخي.

مثال: حديث: " اذهبوا فأنتم الطلقاء " ضعيف على شهرته في كتب المغازي كما قرر الألباني في السلسلة الضعيفة حديث (١١٦٣) ولا يعني ذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يعف عن أهل مكة، أو أنهم لا يسمون الطلقاء؛ لما ثبت في البخاري (٤٣٣٣)، ومسلم (١٠٥٩) واللفظ له عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: " لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان، وغيرهم بذراريهم ونعمهم، ومع النبي -صلى الله عليه وسلم- يومئذ عشرة آلاف، ومعه الطلقاء، فأدبروا عنه، حتى بقي وحده، قال: فنادى يومئذ نداءين، لم يخلط بينهما شيئا، قال: فالتفت عن يمينه، فقال: "يا معشر الأنصار" فقالوا: لبيك، يا رسول الله، أبشر نحن معك، قال: ثم التفت عن يساره فقال: "يا معشر الأنصار" قالوا: لبيك، يا رسول الله، أبشر نحن معك، قال: وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: "أنا عبد الله ورسوله"، فانهزم المشركون، وأصاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطلقاء، ولم يعط الأنصار شيئاً، فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة فنحن ندعى، وتعطى الغنائم غيرنا، فبلغه ذلك، فجمعهم في قبة، فقال: "يا معشر الأنصار، ما حديث بلغني عنكم؟ " فسكتوا، فقال: "يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد تحوزونه إلى بيوتكم؟ " قالوا: بلى، يا رسول الله، رضينا، قال: فقال: "لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار شعباً، لأخذت شعب الأنصار".

مثال آخر: المقاطعة الاقتصادية من قريش للرسول -صلى الله عليه وسلم-والمسلمين ومن تعاطف معهم في خيف بني كنانة.

<<  <   >  >>