كذلك رائدًا في الاختيارات الشعرية على أساس منهجي، شدَّ الشَّراح إِليه وإِلى صنيعه فشرحوا حماسته.
أما البحتري فلم يكن كذلك -في نظر القدامى على الأقل- فلم يُشرح ديوانه، ولم تذع حماسته، ناهيك عن أن تشرح. ووصل الأمر إلى أن نجد من يشكك في نسبة الحماسة للبحتري مثل البغدادي في خزانة الأدب حين قال:"ولم نسمع للبحتري حماسة". ولا نعرف أحدًا من القدامى شك في حماسة البحتري، أو في نسبتها إِليه.
ولا ندري كيف تأتَّى للبغدادي هذا الحكم، وهو صاحب المكتبة الغنية، والاطلاع الواسع. وإِن من ترجموا للبحتري ممن سبقوه عدوا الحماسة من آثاره، ولم يشككوا فيها. من أمثال ياقوت الحموي في معجم الأدباء، وابن خلكان في وفيات الأعيان.
ولعل السبب في ذلك، يعود إلى البساطة التي تمتع بها صاحبنا في شعره وحماسته. إذ كان شاعر الطبع في شعره، وكان معنيًا بالمعنى في حماسته. وإن هذا وذاك لم يشغلا الشراح الذين كانوا مولعين باللفظ الغريب، والمعنى المستغلق، وهما ألصق بأبي تمام شعرًا وحماسة، منهما بالبحتري شعرًا وحماسة أيضًا.
وإذا كان لأبي تمام فضل الريادة في الاختيار والمنهج، فإن البحتري كان له فضل الاستقلال في المنهج، والغزارة في المادة. ويمكننا أن نجمل خصائص منهجه فيما يلي:
- قامت حماسة أبي تمام على مبدأ الأغراض الشعرية، في الوقت الذي قامت حماسة البحتري على المعاني الشعرية.