تعدُّ حماسة البحتري مصدرًا مهمًا من مصادر التراث الأدبي عند العرب، بما اشتملت عليه من مادة شعرية نادرة لم تتوافر إِلا فيها، وما حُشد فيها من أسماء شعراء لم نعرف كثيرًا منهم إلا من خلالها، وبالمنهج الذي اتبعه البحتري في الاختيار والتبويب الذي انفرد به بين أصحاب الاختيارات الشعرية.
وتأتي حماسة البحتري في المرتبة الخامسة من حيث الترتيب الزمني بين أصحاب الاختيارات الشعرية: ما اصطُلح عليه بـ "معلقات العرب"، والمفضليات، والأصمعيات، وحماسة أبي تمام، ثم حماسة البحتري. وقد اتجه أصحاب هذه الاختيارات جميعًا للشعر العربي في العصر الجاهلي أولًا، وللشعر الإِسلامي والأموي بعد ذلك.
وفي إِطار كتب الحماسة تأتي حماسة صاحبنا في المرتبة الثانية من حيث الترتيب الزمني، بعد حماسة أبي تمام.
ونحن نعلم أن البحتري يعترف بأستاذية أبي تمام له في الشعر، لكنها أستاذية تخرج من دائرة التقليد إلى الإبداع، فكان مخالفًا له في الأسلوب والمنهج، حتى باتا يمثل كل منهما اتجاهًا فنيًا في الشعر مغايرًا للآخر. وحين صنف أبو تمام حماسته، لحظنا البحتري يحذو حذوه، فيصنف حماسته، فيلتقيان في الفكرة، ويختلفان -مرة أخرى- في المنهج. ولا يكاد يجمع بينهما إِلا العنوان، ويفترقان -بعد ذلك- في كل شيء.
لقد ذاع صيت أبي تمام في الشعر، وعده النقاد رائدًا للتجديد في الشعر العربي، وشكل محطة رئيسية، نتوقف عندها، ولا يمكن تجاوزها في دراستنا للشعر العربي ومظاهر التطور والتجديد فيه. ولهذا شُرح ديوانه غيره مرة، وكان