الآخر المتفقهة الذين جعلوا جل اشتغالهم الآراء والجدل، وأغضوا عن حفظ السنن ومعانيها وكيفية قبولها، وتعبير [تمييز] الصحيح من السقيم منها، مع نبذهم السنن قاطبة وراء ظهورهم.
وقد أخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أن العلم ينقص في آخر الزمان، وأرى العلوم كلها يزداد إلا هذه الصناعة الواحدة، فإنها كل يوم في النقص، فكأن العلم الذي خاطب النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته بنقصه في آخر الزمان هو معرفة السنن، ولا سبيل إلى معرفتها إلا بمعرفة الضعفاء والمتروكين.
[ذكر السنة في ذلك]
حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، قال: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا عنبسة، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "يتقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنقُصُ الْعلمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَن، وَيَكثُرُ الْهَرَجُ" قيل. يا رسود الله أيم هو؟ قال:"الْقَتْلُ الْقَتلُ"(١).
قال أبو حاتم: في هذا الخبر كالدليل على أن ما لم ينقص من العلم ليس بعلم الدين في الحقيقة، إذ أخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أن العلم ينقص عند تقارب الزمان.
وفيه دليل على أن ضد العلم يزيد، وكل شيء زاد مما لم يكن مرجعه إلى الكتاب والسنة، فهو ضد العلم، ولست أعلم العلوم كلها إلا في الزيادة إلا هذا الجنس الواحد من العلم، وهو الذي لا يكون للإسلام قوام إلا به، إذ الله عز وجل أمر الناس باتباع رسوله، وعند التنازع الرجوع إلى ملته عند الحوادث، حيث قال:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ثم نفى الإيمان عمن لم يحكِّم رسوله فيما شجر بينهم فقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي