أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فمن لم يحفظ سنن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يحسن تمييز صحيحها من سقيمها. ولا عرف الثقات من المحدثين ولا الضعفاء من المتروكين، ومن يجب قبول انفراد خبره ممن لا يجب قبول زيادة الألفاظ في روايته، ولم يحسن معاني الأخبار، والجمع بين تضادها في الظواهر، ولا عرف المفسر من المجمل، ولا المختص من المتقضى [المفصل]، ولا الناسخ من المنسوخ، ولا اللفظ الخاص الذي يراد به العام، ولا اللفظ العام الذي يراد به الخاص، ولا الأمر الذي هو فريضة وإيجاب، ولا الأمر الذي هو فضيلة وإرشاد، ولا النهي الذي هو حتم لا يجوز ارتكابه من النهي الذي هو ندب مباح استعماله مع سائر فصول السنن وأنواع أسباب الأخبار على حسب ما ذكرناها في كتاب فصول السنن. كيف يستحل أن يفتي؟ أم كيف يسوغ لنفسه تحريم الحلال وتحليل الحرام تقليدًا منه لمن يخطئ ويصيب؟ راففًا قول من {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤) -صلى الله عليه وسلم-.
وقد أخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- كيفية نقص العلم الذي ذكر في خبر أبي هريرة، وأن ذلك ليس برفع العلم نفسه، بل هو موت العلماء الذين يحسنون ذلك.
[ذكر السنة المصرحة بذلك]
حدثنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا عمر القواريري، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا هشام بن عروة قال: حدثني أبي، قال: سمعت عبد الله بن عمرو من فيه إلى فِيَّ، يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى لَا يَقْبِضُ يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقبِضُ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، [فـ] سُئِلُوا فَأَفتُوْا بِغَيرِ عِلمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"(١).
(١) ورواه البخاري (١٠٠) ومسلم (٢٦٧٣) والمصنف في صحيحه (٤٥٧١ و ٦٧١٩ و ٦٧٢٣) وغيرهم.