حدثني محمد بن المنذر، قال: حدثنا أبو زرعة، قال: سمعت يحيى بن بكير، يقول: قدم أبو قتادة الحراني على الليث بن سعد، وكان عليه جبة صوف- وهو يكتب في كتف، وقد وضع صوفة في قشرة جوز يكتب منه، فلما ذهب إلى منزله بعث إليه الليث تسعين [بسبعين] دينارًا، فردها أبو قتادة، فلا أدري أيهما كان أنبل، الليث بن سعد حين وجه إليه، أو أبو قتادة حين ردها؟ .
قال أبو حاتم رضي الله عنه: كان أبو قتادة من عباد أهل الجزيرة وقرائهم ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الإتقان، فكان يحدث على التوهم، فوقع المناكير في أحباره والمقلوبات فيما يروي عن الثقات، حتى لا يجوز الاحتجاج بخبره، وإن اعتبر بما وافق الثقات من الأحاديث معتبر لم أر بذلك بأسًا من غير أن يحكم عليه، فيجرح العدل بروايته أو يعدل المجروح بموافقته.
وهذا الذي روى عن سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كثيرًا ما يقبل نحر فاطمة، فقلت: يا رسول الله أراك تفعل شيئًا لم أرك تفعله؟ قال:"أوَمَا عَلِمْتِ يَا حُمَيْرَاء أَنَّ الله عز وجل لَمَّا أُسْرِيَ بِي إلَى السَّمَاءِ أَمَرَ جِبْرِيلَ عليه السلام فأَدْخَلَنِي الْجَنَّةَ وأَوْقَفَنِي علَى شَجَرَةٍ مَا رَأَيْتُ أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنْهَا وَلَا أَطْيَبَ ثَمَرًا، فأَقْبَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَفْرِكُ وَيُطْعِمُنِي، فَخَلَقَ الله عز وجل مِنْهَا فِي صُلْبِي نُطْفَةً، فَلَمَّا صِرْتُ إلى الدُّنْيَا وَاقَعْتُ خَدِيجة، فَحَمَلَتْ بِفَاطِمَةَ، فَكُلَّمَا اشْتَقتُ إلَى رَائِحَةِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ شَمَمْتُ نَحْرَ فَاطِمَةَ، فَوَجَدْتُ رَائِحَةَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ مِنْهَا، وإنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَلَا تَعْتَلُّ كَمَا يَعْتَلُّ أَهْلُ الدُّنْيَا"(١).