فَأُعتق أبوه وكان خَبَّازًا لعبد الله بن قُفْل ومات أبو حنيفة سنة خمسين ومائة ببغداد، وقبره في مقبرة الخَيْزَران. وكان رجلًا جَدِلا ظاهر الوَرَع لم يكن الحديث صِناعته، حدّث بمائة وثلاثين حديثًا مسانيد ما له حديث في الدنيا غيرها أخطأ منها في مائة وعشرين حديثًا، إما أن يكون أَقلب إسناده أو غَيّر مَتْنه من حيث لا يعلم، فلما غلب خطؤه على صوابه استحق تَرْك الاحتجاج به في الأخبار.
ومن جهة أخرى لا يجوز الاحتجاج به لأنه كان داعيًا إلى الإرْجاء والدَّاعية إلى البِدَع لا يجوز أن يُحتج به عند أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافًا على أن أئمة المسلمين وأهل الورع في الدين في جميع الأمْصار وسائر الأقطار جَرَحوه وأطلقوا عليه القَدْح إلا الواحد بعد الواحد، قد ذكرنا ما روي فيه من ذلك في كتاب "التنبيه على التمويه" فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب غير أني أذكر منها جُمَلًا يَسْتَدلّ بها على مَا وَرَاءَها.
من ذلك ما حدثنا زكريا بن يحيى السَّاجي بالبصرة قال: حدثنا بُنْدار ومحمد بن علي المقدمي قال: حدثنا معاذ بن معاذ العَنْبري قال: سمعت سُفيان الثَّوْري يقول: استتُيب أبو حنيفة من الكفر مَرَّتين.
أخبرنا أحمد بن يَحْيَى بن زُهَير بِتُسْتَر قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم البغوي قال حدثنا الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف قال: أوَّل من قال القرآن مَخْلوق أبو حنيفة- يريد بالكوفة.
أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري قال: حدثنا سُفيان بن وكيع قال: حدثنا عُمر بن حَمّاد بن أبي حنيفة قال: سمعت أبي يقول: سمعت أَبا حنيفة يقول: القرآن مَخْلوق قال: فكتب إليه ابن أَبي لَيلى: إِما أن ترجع وإلا لَأَفْعلن بك. فقال: قد رَجَعْت فلما رجع إلى بيته قلت: يا أبي أَليس هذا رأيك؟ قال: نعم يا بُني وهو اليوم أيضًا رأيي ولكن أعْيَتهم التَقية.
أخبرنا أحمد بن علي بن المثنّى بالموْصل قال: حدثنا أبو نَشِيط محمد بن هارون قال: حدثنا محبوب بن موسى عن يوسف بن أسباط قال: