«وما أمر الله به من الاعتبار في كتابه يتناول قياس الطرد وقياس العكس؛ فإنه لما أهلك المكذبين للرسل بتكذيبهم، كان من الاعتبار أن يُعلم أن من فعل مثل ما فعلوا، أصابه مثل ما أصابهم، فيتقي تكذيب الرسل حذرًا من العقوبة، وهذا قياس الطرد، ويعلم أن من لم يكذب الرسل لا يصيبه ذلك، وهذا قياس العكس».
والعلماء حين يعرفون القياس إنما يعرفون قياس الطرد لأنه الأصل، أما قياس العكس فقل من يراعيه عند تعريف القياس؛ إما لأنه لا يرى حجيته، وإما لقلة وروده في كلام الفقهاء، وإما لاختلاف الحقيقتين وتعذر الجمع بينهما في تعريف واحد.
والمراد بالطرد هنا: ثبوت الحكم لثبوت الوصف المدعى عليته.
والعكس: انتفاء الحكم لانتفاء الوصف المدعى عليته.
والأدلة المختلف فيها:
أولًا: قول الصحابي، وسبق هل هو حجة أو ليس حجة … إلخ؟ تقدم الكلام على ذلك (١).
ثانيًا: الإجماع السكوتي: وهو أن يشتهر القول، أو الفعل من البعض ويسكت الباقون عن إنكاره.
اختلف العلماء ﵏ في حجيته:
قال أكثر العلماء: إنه حجة تنزيلًا للسكوت منزلة الرضا، وقال الشافعي، وهو قول الظاهرية: ليس حجة.
والصواب: ما ذكر شيخ الإسلام ﵀: أنه يُنظر إلى قرائن الأحوال، وأحوال الساكتين، وملابسات المقام، فإن غلب على الظن اتفاق الجميع فهو حجة ظنية، وإن قطعنا باتفاقهم فهو حجة قطعية، وإن ترجحت