أما بأن يكون متكذبًا موضوعًا أو منقولًا على وجه السهو وكان الناقل سمع غير الرسول يقول: إلا أهل الكتاب، ومن له أمان، فتوهم أنه سمعه من الرسول فنقله عنه.
فقلنا له: هذا باطل، لأن أهل التواتر قد يكونوا عشرة أو عشرين لو أنفرد منهم تسعة عشر لم يكونوا أهل تواتر. فإذا نقلوا جميعًا العام وقع العلم بخبرهم. وإذ نسي الواحد منهم الاستثناء فلم ينقله لسهوه عنه أو اعتمد ترك نقله لجواز الأمرين عليه لم يكن الباقون أهل تواتر في نقل الاستثناء وإن كانوا معه أهل تواتر في نقل العام. وكذلك الحال لو نسي منهم اثنان وثلاثة. وإذا كان ذلك كذلك بطل ما اعتل بطلانًا بينًا. وهذا ما لا جواب عنه، فدل على أنه يجوز أن يلقي عليه السلام العام الذي هو أول الخطاب إلى الجماعة يسمعه الكل، ثم يقوم نفر منهم قبل أسماع الكلام لعارض تعجلهم من رعاف وقضاء الحاجة، وغير ذلك من أسباب إما متفقة أو مختلفة. وهذا موجود من أحوال الناس فينقل الكل اللفظ العام لسماعهم له، وينقل البعض منهم الخاص، وهم الذين سمعوه وليسوا بأهل تواتر. وإذا كان ذلك كذلك أنكر أن يكون العام والخاص قد وردا معًا.
وإن اختلف النقل لهما لأجل ما وصفناه ولم يكن على يقين من ثبوت حكم العام مع ورود الخبر، وسقط ما اعتل به هذا القائل على أننا لا نسلم له أن تأخير البيان محال، وأنه لا يقع إلا موقع النسخ، ولا نسلم - أيضًا - أن ما ألقي عمومه عامًا شائعًا لا يلقى خصوصه إذا كان مخصوصًا إلا إلقاءً شائعًا. بل لو تعبد الرسول عليه السلام بأن يبين العام لأهل التواتر في النقل، وقيل له: ألق خصوصه عقيب عمومه إلى الواحد والاثنين لصح ذلك