فصل: وقد بينا فيما سلف وجه التعارض في قوله تعالى: {وأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} وقوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وأن عثمان وعليًا رضوان الله عليهما قالا: "أحلتهما آية وحرمتهما آية" ويمكن أن يرجح عموم قوله: {وأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} على عموم قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، فإن عموم النهي عن الجمع بين الأختين ما اتفق على أنه قد دخله تخصيص، ولا هو محتاج إلى شروط. وقوله:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} مما قد أجمع على تخصيصه، وأنه مشروط مخصوص بالاستبراء أو نفي الشركة في الملك وغير ذلك من الأمور، فوجب أن يكون إباحة الوطء بملك اليمين عموم متفق على تخصصه، وليس تخصيصه أيضًا باستثناء ولفظ يصح أن يقال: إنه يصير للاسم العام اسم لما بقي بعد الاستثناء. والتخصص على هذا الوجه يجعل اللفظ مجازًا ومستعملًا في غير ما وضع له، وصار عند كثير من الناس مما لا يمكن التعلق به في قدر ما بقي. وكذلك سبيل كل عمومين هذه حال أحدهما. ولا يستقم دفع هذا بأن يقال لسنا نقول إن اللفظ يبقى مجازًا، لأنه قد قيل ذلك واختلف فيه، فصار غير المختلف فيه أظهر وأقوى منه.
ووجه آخر من وجه الترجيح بنيهما، وهو أن تحريم الجمع بين الأختين مما قد ثبت وعلم أنه ورد بعد ذكر المحرمات من الأجنبيات وذوات الأرحام، ومع تفصيل ما يحل من ذلك مما يحرم، فلما ألحق الجمع بين الأختين بجملة المحرمات وجب القضاء بعمومه في الحرائر والإماء.