وجد السبب والسؤال مع عدم الكلام لم يثبت بذلك حكم، وليس لأحد أن يقول إنما يثبت الحكم باللفظ والسبب والسؤال جميعًا، لأنه لو كان ذلك كذلك لوجب لو ابتدأ بالكلام مع عدم السبب والسؤال أن لا يثبت به حكم. وذلك باطل باتفاق فثبت أن الحكم متعلق بمقتضي الكلام.
ومما يدل أيضًا على أن الحكم للكلام دون ما خرج عليه اتفاق الكل على ثبوت الحكم بمقتضى الخطاب، وما يخرج عليه من الصفات والصيغ والأحوال دون الرجوع إلى السبب والسؤال. يبين ذلك أن سائلًا لو سأله فقال: أيحل الانتشار ويحل شرب الماء وأكل الطعا. فقال: الانتشار من صيغه الصلاة والشرب مندوب إليه والأكل واجب عليك والاصطياد على المحرم حرام لوجب حمل الحكم على موجب خطابه دون السؤال، لأنه يقول: يحل ويجوز الانتشار، وذلك سؤال عن الجواز. فإذا أجاب بلفظ يقتضي الندب أو الوجوب أو التجويز صير إليه وقضي به، وعدل عن اعتبار السؤال الذي خرج عليه وكان سببه، فصار الاعتبار بصفة اللفظ ومقتضاه.
ومما يدل على ذلك - أيضًا - قوله سبحانه:{والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وقوله: {والَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ} وليس ذلك إلا الرد إلى قوله تعالى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم والمصير إلى موجبيهما دون السبب والسؤال، لأن الرد إليهما مخالف للرد إلى الله وإلى رسوله.
ومما يدل على ذلك - أيضًا - أنه/ لو كان مقتضى العام الخارج على سؤال وسبب خاص قصره عليهما لوجب إذا ذكر الدليل على عمومه أن يصير بذلك الدليل مجازًا ومستعملًا في غير ما وضع الكلام له. وذلك باطل باتفاق، فعلم أن خروجه على السبب والسؤال لا يقتضي قصره عليهما.