ومن أنه لو كان مجرده موضوعًا لإفادة الثلاثة فقط لكان ما دل على أن المراد به ما زاد عليها مصيرًا له مجازًا في الاستغراق، وكل عدد زائد على الثلاثة، لأنه يصرفه إلى غير ما وضع له مجرده، وذلك باطل باتفاق منا ومنهم ومن سائر أهل اللغة والمعاني، وقد أوضحنا في الدلالة وفساد القول بالعموم وجه الاستدلال بجميع هذه الأدلة، فأغنى ذلك عن الإطالة بإعادته.
فصل: وقد اعتمدوا في أن المعقول من مطلق اسم الجمع أقله بأن ذلك متيقن كونه مرادًا باللفظ، وما زاد عليه فيجوز أن يراد به وأن لا يراد، وهو مشكوك فيه.
فيقال لهم: لسنا نخالفكم في أن اسم الجمع إذا كان مستعملًا في حقيقته دون مجازه كان أقل الجمع منه متيقن/ القصد إليه، وهذا لا يوجب أن يكون مطلق اللفظ موضوعًا له فقط. وأن ما زاد عليه لا يصلح أن يكون مرادًا بمطلق اللفظ. وفي هذا الفصل بيننا وبينكم الخلاف، لأنكم تقولون إنه موضوع لإفادة الثلاثة فقد دون ما زاد عليها، ونحن نقول يصلح أن تراد وما زاد عليها، ويكون اللفظ مستعملًا فيها وفي الزايد عليها، وأنه إذا أريد ما زاد عليها كان حقيقة فيه وأنتم تزعمون أنه لا يعقل من مطلقة إلا أقل الجمع، ولا طريق لكم إلى ذلك، ولو وجب إذا كان يتيقن من إطلاق اسم الجمع الثلاثة التي هي أقله أن يكون اللفظ موضوعًا لهذا المتيقن دون ما عداه، فوجب أن يكون القول عشرة ومائة وكل عدد بين أقل الجمع وبين استغراقه موضوعًا للثلاثة التي هي أقل الجمع، لأن القائل إذا قال رأيت عشرة ومائة، فالثلاثة منهم متيقن القصد إليهم بالاسم، وإن لم يجب كون الاسم موضوعًا له، وكذلك اسم الجمع المطلق بغير تقدير يتيقن منه الثلاثة، ولا يجب كون الاسم موضوعًا له دون ما عداه.