والوجه الآخر أن في الآية ما يوجب أنه أراد بذكر الطائفة الواحد، لأنه قال {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} والجماعة من الناس لا يقال: إنها أخوان، ولا يقال في الفرقة من الناس التي هي جماعة أنها أخ لجماعة أخرى أو لواحد.
فإن قيل: فقد قلتم إن الاثنين جمع فقط، فلم لا يجري على كل جمع اسم الاثنين، لأنه اسم جمع.
قيل لهم: إنما يجري على الاثنين اسم الجمع المشترك بين الاثنين وما زاد عليهما ولا يجري على الثلاثة، وكل جمع زائد/ على الاثنين اسم الجمع المفيد للاثنين فقط. كما لا يجري على كل جمع اسم الثلاثة والعشرة، وإن كانا اسم جمع، لأنه جمع مخصوص، فكذلك القول رجلان وطائفتان اسم جمع، غير أنه ليس بمشترك في كل جمع، فبطل ما قلتم.
فأما رومكم الانفصال في قوله:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}، فإن أهل اللغة ذكروا ما في الإنسان من الجوارح زوج وما فيه فرد فلا تعلق فيه، لأنهم متفقون على أن القلب فرد في الإنسان وليس بزوج، كما أن الرأس فرد فيه. فساغ أن يقال أيديهما لأنها أربعة أيدي في الاثنين، ولم يسغ أن يقول فاقطعوا رؤوسهما، لأنه ليس لهما إلا رأسان، فكذلك إذا لم يكن لهما إلا قلبان وكان الاثنان لا يجري عليهما عندهم اسم الجمع لم يسغ أن يقال فقد صغت قلوبكما، بل يجب أن يقال فقد صغت قلباكما. وهذا لا مخرج منه.
ومما يدل - أيضًا - على أن الاثنين جمع على الحقيقة إجماع أهل اللغة على أن القول قمنا وفعلنا وفعلوا وقالوا من كنايات الجمع وأسمائه، وأن الثلاثة وما فوقها مستعمل ذلك فيه، وإذا كان ذلك كذلك، وكان الاثنان يخبران عن أنفسهما بما يخبر به الجماعة عن أنفسها فيه، ولأن فعلنا وقلنا وقمنا حسب ما تقوله الثلاثة وما فوقها وجب لذلك كون الاثنين جمعًا على الحقيقة.