فإن قيل: فأنتم إذا قلتم أن تعلق الحكم بالصفة لا يدل على المخالفة احتجتم في ذلك إلى رواية عنهم.
قيل له: لا نحتاج إلى رواية فيما لم يضعوه، لأن ذلك فيما لا نهاية له، وإنما نحتاج إلى نقل ما وضعوه له، وقد مر بيان هذا من قبل بما يغني عن إعادته.
ومما يدل على ذلك- أيضاً- حسن الاستفهام لمن قال إذا ضربك زيد عامداً فاضربه، وأن يقال له: فإن ضربني خاطئاً أضربه أم لا؟ وكذلك إذا قال لا تقتل ولدك خشية إملاق، وزك السائمة من ماشيتك وأن يقال له: أفأقتله إن لم أخش إملاق وأزكى المعلوفة- أيضاً- أم لا؟ وكذلك لو قال: إذا قتلت الصيد عامداً فعليك الجزاء حسن أن يقول فما الحكم إن قتلته خطأ؟ وقد بينا فيما سلف أن حسن الاستفهام عن الشيء دليل على صلاح تناول الخطاب له في حقيقة أو مجاز، وأن دعوى كون المستفهم عنه متجوز به يحتاج إلى برهان وتوقيف متعذر، فثبت أن ما عدا ماله الصفة موقوف لجواز الاستفهام عن حاله.
ويدل على ذلك- أيضاً- أننا نجدهم يعلقون الحكم بالصفة تارة، ويكون حكمهم فيما خالف تلك الصفة كحكمهم فيما يعلقونه تارة بالصفة، ويكون حكم ذلك مخالفاً لنفي الحكم عنه. فثبت بذلك أن ذلك مفيد لثبوت الحكم فيما له الصفة بنصه وخلافه فيها بوقوف حكمه يجوز مساواته له فيه ويجوز انتفاؤه عنه.