عليه الذم والعقاب فلا يكون لقوله:"لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعرا". معنى. وإذا قاله من هذه الجهة كان مستدلاً وغير حاك عن العرب، ولا قائل به من ناحية دليل الخطاب.
وأما تعلقهم بما روي عنه من قوله صلى الله عليه وسلم:"والله لأزيدن على السبعين" فلا تعلق فيه من وجوه:
أحدهما: إن هذا الخبر من أخبار الآحاد التي لا يعلم ثبوتها، فلا حجة فيه.
ولا يبعد أن يقول الرسول ذلك، وهو أفصح العرب وأعلمهم بمعاني الكلام فقد علم أن قوله تعالى:(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) إنما خرج مخرج الإياس وقطع الطمع في الغفران لهم، وأنه بمنزلة قول القائل منهم اشفع لزيد أولا تشفع له، فلو شفعت له سبعين مرة لم تشفع فيه، ومثل هذا لا يجوز أن يخفي على الرسول صلى الله عليه وسلم، فبطل التعلق بهذه الرواية.
وقد يجوز أن يشفع النبي عليه السلام شفاعات تزيد على السبعين مع العلم بأن الله سبحانه قد آيسه من قبول شفاعته لضرب من الاستصلاح والسياسة وتألف قلوب المنافقين والمنحرفين عنه، لأنه معلوم ميل القلوب وحبها لمن يشفع ويلح في السؤال في الصفح عن المسيء إليه فيوقع الشفاعة في المنافقين لهذا الضرب من التآلف والاستصلاح للحي منهم، لا لأنه يعتقد أن ما زاد على السبعين مخالفا لها، وأن الغفران واقع به لا محالة أو مجوز وقوعه به، فبطل ما قالوه.