بعد ذلك دب الخلاف والنزاع بين بني بويه. وأخذت دولتهم في التقلص وشوكتهم في الضعف. واستمروا على ذلك من سيئ إلى أسوأ حتى سقطت دولتهم سنة ٤٤٧ هـ بدخول "طغرل" بيك بغداد.
هذه اللمحة التاريخية عن الحالة السياسية في المشرق الإٍسلامي عامة، وعن دولة بني بويه خاصة تدل على عدم الاستقرار السياسي إلا في بعض فترات الحكم، كالفترة التي تولى فيها الحكم عضد الدولة البويهي، الذي كان للباقلاني صلة به. فقد كان عضد الدولة من أقوى حكام بني بويه شخصية وأبعدهم نظرًا. وقد كان للوزراء في دولة بني بويه شأن عظيم ومنزلة رفيعة. وبيدهم مقاليد تصريف كثير من أمور الدولة.
ولقد كان للباقلاني دور سياسي بارز حيث استقدمه عضد الدولة إلى شيراز من البصرة، وألحقه بمجالس العلماء في قصره. وفي عام ٣٧١ هـ أرسله عضد الدولة على رأس سفارة إلى ملك الروم "باسيلوس الثاني" على أثر طمع بعض قادة الروم في ملك باسيلوس. فالتجأ القائد الطامع في الحكم واسمه "ورد" إلى عضد الدولة طلبًا للنصرة والحماية، فأرسل باسيلوس وأخوه لعضد الدولة يعرضان عليه تسليم القائد مقابل إطلاق سراح جميع أسرى المسلمين في بلاد الروم، وعلى أثر ذلك أرسل عضد الدولة القاضي الباقلاني للتفاوض، وعاد الباقلاني يحمل مشروع معاهدة حول ذلك الأمر. ومن ذلك تظهر مكانة الباقلاني عند عضد الدولة.
ولم يقتصر الباقلاني في تلك السفارة على دوره السياسي، بل قام بمناظرات دينية، تدل على مدى غيرته على دينه وعلو همته وعزة نفسه، سنذكرها في فصل مناظراته إن شاء الله.