أحدهما: أن المباح ليس بداخل تحت التكليف لما نبينه من بعد.
والوجه الآخر: أن الإباحة إطلاق وإذن, والله تعالى لا يأذن إلا في شيء, ولا يطلق الأشياء فسقط ما ظنوه.
فإن قالوا: كيف يسوغ لكم القول بأن الأمر لا بد أن يتعلق بفعل للمكلف أو اجتناب له هو فعل ضده, وقد يؤمر والمفتي والحاكم بفعل يكون من الغير ويتعلق به لا بالمكلف؟
يقال لهم: هذا باطل, لأن التعليم والحكم والفتيا فعل المعلم والحاكم والمفتي, وإنما أمر بالإقدام على ذلك ليقع من الغير تعلم والتزام حكم وفتيا لا يجبان عليه إلا عند فعل الحاكم والمفتي للقول الذي هو الحكم والفتيا, فبطل ما توهموه.
فإن قيل: ولم أنكرتم أن يكون المأمور بالفعل والمنهي عنه مأمورًا بأن يخلق ويبدع الأعيان ومنهيًا عن الخلق والاختراع؟
قيل له: من أجل إجماع الأمة على أنه لا خالق إلا الله, ولأجل قوله سبحانه:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} وقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا} وقد عبدت الملائكة من دونه, ولقوله تعالى:{أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ}