وأما ما يدل على وجوب اشتراط كونه مع حدوثه مما يصح اكتسابه فهو لأنه ليس كل ما حدث يصح أن يقدر عليه العبد ويكون له مكتسبًا أو تاركًا, لأن الأجسام والألوان والقدر والحواس محدثة, وليس مما يصح الأمر به والنهي عنه لاستحالة دخوله تحت قدرة العبد, وإنما قلنا:"وأن يكون مما يصح اكتساب المكلف له"، فلأنه ليس كل شيء يصح أن يكتسب يجوز اكتساب كل مكلف له, لأن كسب زيد لا يصح اكتساب عمرو له, وإن كان مثله ومن جنسه وجنس مقدورات المكلفين لما قام من الدليل على استحالة مقدور لقادرين محدثين وإيجاب ذلك لكونه موجودًا بهما معًا, وذلك محال.
وأما الدلالة على وجوب كون الفعل المأمور به معلومًا للمكلف ومتميزًا له في جنسه وصفته ووقته, وأن الله تعالى هو الآمر به, أو أن يكون في حكم المعلوم المأمور به فهو لأنه إنما أمر أن يوقع الفعل طاعة لله تعالى وقربه إليه, وأن يجتنبه إن كان محرمًا على هذا الوجه, ويقصد الإقدام عليه أو الترك له بعينه, ومحال وقوع هذا القصد والتقرب بالفعل أو تركه إلا من عالم به ومميز له من غيره, ومما أمر الله تعالى به وتعبد بفعله فوجب لذلك كونه معلومًا متميزًا للمكلف لكي يصح قصده إليه أو إلى اجتنابه, أو أن يكون في حكم المعلوم المتميز له, ومعنى ذلك أن تكون الأدلة عليه منصوبة ويمكن النظر, ويكون المكلف على صفة من يصح منه الاستدلال بها وإن كان