ولو أنهم قالوا: إن من الفرض ما ليس بواجب لكان ذلك أولى وأقرب، لأن الفرض هو التقدير مأخوذ ذلك من فرض القوس ومن فرائض الصدقة، وفرائض المواريث الذي هو تقدير الواجب منها. وقد يقدر النفل من الفعل، وتمتيع المطلقة، وغير ذلك فلا يكون واجباً لتقديره ويوصف بأنه فرض. والواجب اللازم الذي لا محيد عنه مأخوذ ذلك من وجوب الحائط إذا سقط، وليس كل فرض واجبا فصار قلب ما قالوه أولى.
وأعلموا - وفقكم الله- أنه ربما حصل الخلاف في ذلك خلافاً في عبارة، وربما حصل في معني. فالخلاف في العبارة أن يقولوا نريد بقولنا: الوتر واجب وليس بفرض، أنه سنة مؤكدة. وأن الثواب عليها والمدح لفاعلها أكثر منه ما قصر عن رتبته، وهذا صحيح غير منازع فيه، لأنه لا خلاف في أن / ص ٧ من المسنون ما بعضه آكد من بعض وأجزل ثواباً.
وأما الخلاف في المعني فهو ما حصله متأخروهم من أن معني الواجب الذي ليس بفرض أنه ما علم وجوبه من وجه وطريق غير مقطوع به علي الله تعالي، ولا يكفر من أنكره ورده. والواجب الفرض كالصلوات الخمس، وكل ما علم وجوبه بطريق يقطع به على الله تعالي ويكفر من جحده ورده. ويخرج بجحده عن طريقة التأويل، وهذا خطأ من قولهم، لأجل أن قول القائل القائل إن وجوب الشيء معلوم بطريق لا يقطع به على الله خطأ، وذلك لأن ما علم وجوبه فلن يجوز أن يكون طريق العلم بوجوبه إلا ما يقطع به على الله