يقال له: نحن لا نترك ظاهر الكتاب والسنة بقول الأمة المجمعة (عليه). وإنما نتركهما بمثلهما من كتاب وسنة كهما. وإنما نتبين بإجماع الأمة على تركهما أنهما منسوخان بمثلهما، أو أن المراد بهما غير ظاهرهما مما وقفت عليه الأمة أو من تقوم بهم الحجة منهم، لعلمنا بأن الأمة لا يجوز أن ترفع حكمهما باجتهاد وقياس منها، وإنما تتبع الأدل منهما، ولا تخالفهما على ما سنبين القول فيه إن شاء الله.
ويلي ذلك القياس وإعماله في مواضعه، وذكر من هو من فرضه، وما يتصل من الفصول ببابه، وإنما وجب تأخيره عما قدمناه من الأدلة لأجل أنه إنما يثبت كونه أصلا ودليلا بالكتاب والسنة والإجماع على ما نبينه، ولأن استعماله في مخالفة ما قدمناه من الأدلة باطل محظور، وإنما يصح إذا لم ينف ما ثبت بهما حكمه.
ويلي ذلك صفة المفتي والمستفتي، وإنما وجب تقديم القيام [القياس] على هذا الأصل، لأجل أن المفتي إنما يصير مفتيا يجوز الأخذ بقوله إذا عرف القياس وما به يثبت وما يجب من أحكامه في مواضع استعماله، ثم يفتي بعد ذلك. فيجب أن يكون العلم بالقياس حاصلا له حتى يكون لعلمه به مفتيا.
وإنما صار القول في صفة المفتي والمستفتي من أصول الفقه لأجل أن فتواه للعامي دليل على وجوب الأخذ به في حال وجوازه في حال. فصارت فتواه للعامي بمثابة النصوص والإجماعات وسائر الأدلة للعالم، ولأنه لا يكون قوله دليلا للعامي يجب الأخذ به أو يسوغ ذلك له إلا بعد حصوله على صفة من تجوز فتواه وإلا حرم عليه الأخذ بقوله.