تعلق العلم والخبر الصدق بكونه كذلك, ولهذا لم يجز أن يقال إن المحدث إنما صار محدثًا لعلم العالم بحدوثه, لأنه لو لم يكن محدثًا في نفسه لما صح تعلق العلم بحدوثه, ولا كان الخبر عن كونه كذلك صدقًا, ولا صح قيام دليل على كونه محدثًا, وإذا كان ذلك كذلك ثبت أنه إنما كان طاعة لكونه مأمورًا به, إذ لا شيء يمكن ذكره في تعليل كونه طاعة سوى ما قلناه, وهذا هو الذي عليه أهل اللغة.
وكذلك يقال فلان مطاع الأمر ومعصي أمره, ويقولون أمر فأطيع وأمر فعصي, وكذلك قال الله تعالى:{أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} وقال تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} فقرن الطاعة بالأمر وقال الشاعر:
ولو كنت ذا أمر مطاع لما بدا توان من المأمور في حال أمرك
ولم يقل أحد منهم فلان مطاع الإرادة ومعصيها, ولا أراد فأطيع, فثبت بذلك أجمع أن الطاعة إنما كانت طاعة لكونها مأمورًا بها.
وإذا ثبت ذلك وجب انقسام الأمر قسمين: واجب ونفل, ووجب الوقف فيه متى ورد عاريًا من دليل الإيجاب ودليل الندب, ولم يكن لأحد أن يقول إنه يجب حمله على الإيجاب لعروه من دليل النفل إلا/ ص ١٢٦ من حيث كان لغيره أن يقول بل يجب حمله على النفل لعروه من دليل الإيجاب, وهذا يوجب أن يكون واجبًا ندبًا, إذا عري من القرينتين, ولا لأحد - أيضًا - أن يقول: إن أهل اللغة وضعوا مجرده ومطلقه إما بلفظ إن كان له صيغة على ما يدعون, أو بكون أمرًا فقط للإيجاب,