يقال لهم: ليس هذا الاستدلال منكم ينقل عن أهل اللغة أنهم وضعوا مجرد الأمر للندب إلى المأمور به, وإنما هو استدلال يجب أن ينظر فيه, واللغة مواضعة وتوقيف لا تثبت بالقياس والاستدلال, وفي كونه لغة وقع الخلاف ولا سبيل لكم إلى تصحيح ذلك.
ثم يقال لهم: أنتم وإن أنكرتم أن يكون القديم تعالى أمرًا بالمباح مع حسنه لوجه أوجب ذلك عليه, وهو أنه لا غرض في إرادته لنفع إليه سبحانه, وليس من مصالح المكلفين وألطافهم فيأمرهم به فإنكم لا تنكرون أن يقول القائل منا لغيره افعل كذا وكذا فقد أبحتك الفعل ويريده منه مع القول افعل لغرض ينتفع به الأمر, ويرجع إلى مصلحته, وإذا كان ذلك كذلك فقد صح أن يأمر الآمر منا بالمباح ويريده لهذا الغرض وإن امتنع ذلك في الله عز وجل, وإذا كان ذلك كذلك ثبت أن الأمر منا ومن أهل اللغة قد يكون على قولكم إباحة, وقد يكون ندبًا ويكون إيجابًا, ومتى ثبت ذلك وجاز حمله على الإباحة وإرادة المبيح له, كما جاز في كونه أمرًا وجب بنفس اعتلالكم أن يكون أقل أحواله حمله على الإباحة وإرادة المبيح له, وأما الندب إليه والإثابة على فعله فليس في لفظه, ولا في كونه مرادًا فيجب لذلك حمله على الإباحة دون ما قلتم.
فإن قالوا: يجوز ذلك في الآمر منا لجواز إرادته المباح لغرض من منافعه