يقال لهم: قد أبعدتم في هذا لأن قوله ندبتك وأرشدتك ليس بتأكيد لقوله "افعل" أو قد أمرتك, ولكنه بيان وتفسير للوجه الذي أمره عليه وكان أمره محتملًا قبل التفسير لغير ما بينه وفسره فلم زعمتم أنه تأكيد؟
ويقال لهم: انفصلوا من القائلين بالوجوب إذا اعتلوا لذلك بنفس علتكم هذه, وقالوا تأكيد اللفظ طبقه ولفق معناه, وقد يقول القائل "افعل" فقد ألزمتك وأوجبت عليك وحتمت وفرضت وكتبت فيجب أن يكون معنى الأمر إفادة الوجوب, كما أن إتباعه وتأكيده مفيد للوجوب, ولا فصل في ذلك إلا بما قلناه من أنه بيان وليس بتأكيد.
فصل: واستدلوا - أيضًا - على ذلك بأن للوجوب ألفاظًا تخصه نحو القول: أوجبت وحتمت وألزمت وفرضت فإذا لم يرد الأمر بهذا اللفظ وجب حمله على الندب.
يقال لهم: انفصلوا ممن قال: بل موضوعه إفادة الوجوب لأن للندب ألفاظًا تختص به, نحو القول قد ندبتك وأرشدتك ورغبتك, فإذا لم يرد الأمر بهذا اللفظ, أو معه هذا اللفظ ونحوه وجب حمله على الإيجاب دون الندب, ولا مخرج من ذلك.
فصل: وقد زعم فريق من القائلين بأن موجب الأمر ومقتضاه الندب دون الإيجاب إنه إنما وجب ذلك فيه لدليل السمع دون قضية العقل واللغة, وهذا تسليم منهم, لما قلناه من حكم اللغة إلى أن ينظر فيما يتعلق به من جهة السمع.