يقال لهم: ليس الأمر في هذا على ما قلتم, لأننا قد بينا فيما سلف أن الإباحة سمعية غير عقلية, وأنها حكم متجدد مستفاد بالشرع, ويكفيهم في هذا أن يقولوا بدل قولهم أن تركه مباح في العقل أن يقولوا هو غير محظور ولا حرام في العقل, فهو عند ورود السمع باق على ما كان عليه.
وجواب هذا إذا قالوه أن يقال لهم: إنما يعلم بالعقل أنه غير محرم تركه ما لم يرد الأمر بفعله, وأما إذا ورد الأمر به تغيرت حاله, ولم يعلم عند وروده أن تركه باق على ما كان عليه لجواز أن يكون الأمر الوارد به أمرًا على وجه يحرم معه تركه وأن يرد به على وجه يبقى حكم تركه على حكم العقل سيما وقد قال أكثر الناس أن مجرد الأمر به إذا ورد أفاد ونقل حكم تركه عن حكم العقل وجعله/ ص ٤١ محظورًا وجعل فاعله ملومًا, وقلتم أنتم تركه مع ورود مجرد الأمر به باق على حكم العقل, وقلنا نحن وهو الصحيح لا يعرف بورود مجرد الأمر به حال تركه وأنه باق على حكم العقل ولم ينقل عنه, وهذا الخلاف كله زائل قبل ورود الأمر, فليس هذا مما يصح استصحاب الحال فيه مع ورود الأمر المجوز لتغير حكم تركه وحصول الخلاف فيه عند وروده وإذا كان ذلك كذلك بطل ما انفصلوا عنه.
واستدلوا - أيضًا - على أن الأمر على الندب بأن تأكيد اللفظ لفق معناه وطبقه, وقد يقول القائل افعل فقد ندبتك إلى الفعل وأرشدتك, فوجب أن يكون مراد الآمر ما أفاده تأكيده له.