ويقال لهم - أيضًا - إذا لم يجب حمل مطلق الأمر على الوجوب, لأنه ليس في لفظه تحريم تركه والوعيد عليه لم يجب - أيضًا - حمله على الندب, لأنه ليس في لفظه ومعنى كونه أمرًا تحليل تركه وجوازه, فإن وجب حمله على الندب - وإن كانت هذه حالة - فما أنكرتم من وجوب حمله على الإباحة والوجوب, وإن لم يكن إطلاق تركه أو تحريم تركه مسموعًا من لفظه ومنطوقًا به؟ ولا جوب عن ذلك.
وإن قال منهم قائل: إذا أطلق الأمر فقد دلنا على حسن المأمور به وكونه مرادًا, وعلمنا بعروه مما يقتضيه تحريم ترك الفعل أنه ليس بحرام تركه, لأنه لو حرم لكان مفسدة قبيحًا, ولوجب أن يدلنا على ذلك من حال تركه بشيء يزيد على أمره به وإرادته له.
يقال لهم: انفصلوا ممن قال لكم وإذا أمر بالفعل فقد دلنا على حسنه, وعلى أنه مراد, وعلى أن تركه مكروه قبيح, لأنه لو علم أنه ليس بمكروه قبيح لدلنا على ذلك من حاله وأطلقه لنا, ونحن لا نعلم إطلاق ترك الفعل لكونه مرادًا حسنًا مأمورًا به, لأن هذه حال الواجب وإن لم يحل ويحسن تركه, وإذا كان ذلك كذلك كان تجريده للأمر, إذا لم يدل على إباحة ترك المأمور به دليلًا على تحريم تركه فوجب حمله على الوجوب, ولا جواب عن ذلك.
فإن قالوا: ترك العبادة الشرعية معلوم إباحته بالعقل وإذا ورد الأمر به دل على حسنه وكونه مرادًا ولم يحتج إلى التوقيف على إباحة تركه لأنه معلوم بالعقل قبل السمع, وإنما يحتاج تحريم تركه إلى سمع لأنه متجدد ومخالف لحكم العقل.