يقال لهم: ليس الأمر في هذا على ما توهمتم, لأنه ليس في ظاهر الخبر أكثر من استفهامها له عليه السلام عن أمره بذلك أو شفاعته فيه, وليس فيه أنه لو أمرها بذلك لعلقت وجوب الأمر, بل لعلها كانت ممن يعتقد أن موضوع أمره على الندب وإنما اعتقدت أن امتثال أمره طاعة لله تعالى وقربة مثاب فاعله, فسألته عن ذلك لتعلم أنه مما أمر به ومن جملة القرب فتفعله رغبة في ثوابه, فأما كونه واجبًا عندها من حيث كان أمرًا, فلا سبيل إلى ذلك, وإلى العلم بأنها كذلك اعتقدت.
فإن قالوا: قد قرر الشرع باتفاق أن إجابة شفاعة الرسول عليه السلام ندب, فيجب لذلك أن لا يكون الفصل بين أمره وشفاعته إلا كون أمره على الوجوب.
يقال لهم: إنما أجمعت الأمة على أن إجابة شفاعته فيما يتعلق بباب الدين والتقرب بفعله ندب, فأما ما لا يتعلق بذلك ويعود إلى غرض من أغراضه عليه السلام من اجتلاب نفع أو دفع ضرر وبلوغ إيثار وشهوة فإنه ليس بمنزلة الندب المشروع المفعول لوجه الله عز وجل لا لغرض أحد من الخلق وأمر يعود إلى نفعه ودفع ضرر عنه, وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فكل مؤمن يرغب في قبولها مع أنها ليس بمثابة الندب المأمور به لوجه الله عز وجل خالصًا فقط لا لشيء يعود إلى الخلق, وكذلك سبيل ما أمرنا به عليه السلام مما يخصه