على أن المتكلم لم يكن متكلمًا لأنه فعل الكلام. وإذا لم يكن أمر الآمر منا فعلًا له استحال وصفه بأنه حسن أو قبيح من الآمر أو حكمة أو عبث أو خطأ أو صواب, وإن جاز أن يوصف بأنه حسن وحكمة وصواب من خالقه تعالى ومنشئه, أو يوصف بذلك على معنى حسن العبارة عنه كما يمتنع وصف إرادة المريد منا إذا لم تكن من فعله, ووصف علمه الضروري بأنه حسن منه أو قبيح, وإن جاز وصفه بأنه حسن وحكمة وصواب من خالقه تعالى.
والضرب الآخر من أوامر الخلق فعل من أفعالهم, وهذا الضرب يقع كسبًا لهم على وجهين:
إما أن يقع من فاعل عاقل مميز, أو من غير عاقل ولا في حد المكلف, فإن وقع من غير عاقل مميز كالطفل والمجنون والمغلوب ومن لم تدخل أفعاله تحت التكليف لم يجز وصفه بأنه حسن أو قبيح أو واجب أو ندب أو عبث أو حكمه, لأن ذلك لا يجري إلا على فعل فاعل مكلف على ما بيناه في أحكام أفعال الخلق في صدر الكتاب.
والوجه الآخر: أن يقع الأمر والنهي من عاقل مميز من الخلق, وذلك - أيضًا - يكون على وجهين:
فإن قدر وقوعه منه قبل تعبده وتكليفه لم يوصف بشيء من هذه الصفات لأنها لا يلزم الفعل إلا عند تكليف فاعله, وأما من ليس بمكلف ففعله خارج عن ذلك.