ولو قدر وقوع أوامرنا ونواهينا مع التمييز وورود السمع ودخولها تحت التكليف لم يخل من أحد ثلاثة أمور: إما أن تكون واقعةً منا ونحن مأمورون بها أو منهيين عنها أو مباح لنا فعلها. فإن كنا مأمورين بها كانت لذلك طاعة وحكمةً، وحسنًا ولم يخل الأمر بها من إحدى منزلتين إما أن يكون صادرًا على سبيل الإيجاب أو على وجه الندب والإرشاد فالواجب منها كالأمر بالمعروف إذا تعين على المأمور، وبالعدل والإنصاف ورد الحقوق وما جرى مجرى ذلك.
والثاني كأمرنا بالنوافل وفعل الخير وكل ما ندبنا إلى الأمر به والدعاء إليه. وكذلك كل ما نهينا عنه فالأمر به على ضربين:
فضرب منه محرم علينا الأمر به كالأمر بالظلم والعدوان وسائر المحظورات? والضرب الآخر: نهي إرشاد وفضل، كنهينا عن ترك التفضل والإحسان وكتابة العبد وتمتيع المطلقةً، وكل ما هو ندب في نفسه. وقد ندبنا إلى الأمر به، وليس يمتنع أن يجب علينا الأمر لمن ندب إلى الفعل بأن يفعله ويكون في علمه ندبًا منه. ويكون أمرنا له بفعل الندب من فرائضنا. وقد قال قوم: أنه يجب علينا أن نأمر المكلفين بكل ما أمرهم الله به من مسنون ومفروض فيكون أمرنا بذلك واجبًا علينا على الكفاية ويكون المأمور بالفعل تارةً مندوبًا إليه وتارةً مفروضًا عليه، ويجب ترتيب أمرنا بذلك على ما ينزله الشرع./ ص ١٦٣
فإن فرض علينا الأمر لمن ندب إلى الفعل بأن يفعله كان أمرنا به فرضًا, وفعل المأمور به نفلًا عن فاعله. وإن ندبنا إليه كان أمرنا به ندبًا.
وإن كان ما يقع من أوامرنا ونواهينا مباحا لنا إيقاعه لم يوصف ذلك الأمر بأنه طاعةً ولا عصيان ولا حسن ولا قبيح على القول بأن المباح ليس بحسن ولا قبيح. وذلك كأمرنا لمن يصح أمرنا له ويجوز بالمنافع الحاصلة لنا كالمباح