فأما الضرب الآخر مما لا يتم المأمور به إلا بحصوله من فعل الله تعالى. فقد يصح فعل ترك المأمور به مع عدمه. وهو القدرة على الفعل، لأنه لا يتم إلا بها، ولكن قد يتم تركه وفعل ضده مع عدمها لوجود القدرة على ترك مقدورها، فهذا مما يجب ضبطه وترتيبه.
والضرب الآخر من شروط الفعل الذي لا يتم وقوعه دون حصوله من فعل الله تعالى - أيضًا - وإن كان من مقدورات الخلق، وذلك نحو الطهارة التي لا تصح الصلاة إلا بها، والسعي إلى الجمعة، وقطع المسافة إلى البيت ومواضع الإحرام والمناسك وأمثال ذلك مما لا يتم الفعل إلا به. وما هذه سبيله فواجب أن يكون الأمر بالفعل أمرًا به، لأنه لا يتم دون حصوله له. فلذلك كان المأمور بفعل الصلاة مأمورا بفعل الطهارة، أو ما يقوم مقامها من التيمم والتوجه والنية والإحرام. وكل شرط من فعل العبد لا يتم التقرب بفعل الصلاة وكونها شرعية مع عدمه. ولذلك صار المأمور بالحج مأمورًا بقطع المسافة إلى الحرم، والمأمور بصلاة الجمعة مأمورًا بالسعي إليها. وكذلك القول في كل أمر لا يتم المأمور به دون حصوله.
وليس من هذا الباب ما يقوله القدرية من فعل المكلف للألم في غيره والقطع له وتفرقة أجزائه، ونحو هذا مما يسمونه مسببًا متولدًا عن سبب من فعل العبد وأن الله عز وجل إذا أمرنا بفعل إيلام الغير وقتل القاتل وقطع/ ص (١٦٩)