إلى العلم بموضوعه وإلي اعتقاد قبح استفهامه. فهذا يكشف عن أن إطلاقه محتمل لما قلناه.
والواجب عندنا في هذا إنه متى أطلق الأمر وهري مما يدل علي الدوام من عقيب الأمر إلي ما بعده، فإنه يصلح أن يريد به فعل مرة واحدة، ويصلح أن يريد به ما زاد عليها من الأقدار المحمودة. فإذا كان يريد بإطلاقه دوامه من عقيب الأمر وفيما بعده مع تحديده له من دلالة تدل علي لزومه من عقيب الأمر فذلك /ص ١٧٧ محال، لأن البيان لا يتأخر عن وقت الحاجة. وتجريده الأمر لا يدل علي لزوم فعله علي الدوام والتكرار، فوجب تنزيل ذلك علي ما قلناه.
فإن قال قائل: ما أنكرتم أن تكون حقيقة إطلاق الأمر وموضوعه أنه للاستغراق والدوام، وأنه يصلح أن يراد به المرة الواحدة علي ما قلتم، إلا أنه يكون مجازاً إذا أريد به ذلك، فلذلك حسن الاستفهام، وإنما عرض المستفهم أن يعلم أنه مراد به حقيقة ما وضع له أو التجوز به.
يقال: في هذا جوابان:
أحدهما: إنه لا سبيل إلي ما ادعيتموه، لأنك إذا سلمت أن الإطلاق قع علي فعل مرة في الاستعمال كما يقع علي التكرار وادعيت أنه مجاز في أحد الأمرين احتجت إلي نقل وتوقيف علي ذلك، أو ما يقوم مقام التوقيف، وإلا فظاهر الاستعمال يعطي أن اللفظ حقيقة في جميع ما استعمل فيه، وإنما يعلم أنه مجاز في بعضه ومعدول به إليه بشيء غير الظاهر والاستعمال من القرائن الدالة على التجوز.