قائل بقولهم فقد جوز أن يكون مثل العلة الشرعية غير علة، فتجويز مثل هذا في الشرط أقرب، لأن الشرط ليس بعلة ولا دلالة على وجوب المشروط متى وجد الشرط، لأن في هذا وقع النزاع، وكذلك من قال إن العلة المنصوص عليها يصح تخصيصها دون المستنبطة قد جوز أن يكون مثل العلى غير علة. وكذلك النص على الشرط لا يوجب أن يكون مثله شرطاً لإيجاب المشروط. وإذا كان ذلك كذلك فقد سقط ما استدلوا به على أصول هؤلاء، وسقوطه- أيضاً- بين على أصولنا من قبل أن مثل الشرط بإتفاق لا يكون شرطاً، ولهذا لم يكن دخول الدار ثانياً وثالثاً شرطاً موجباً لوقوع الطلاق، وإن كان الدخول الأول شرطاً لوقوعه، فكذلك قد يجوز أن يكون مثل الشرط لوجوب الفعل غير شرط له. لأن القائل إذا قال: إذا دخلت الدار فاشتر لي عبداً، وإذا دخلت السوق فاشتر لي ثوباً لم يجب أن يعقل منه وجوب تكرار الشراء كلما دخل. والعلة الشرعية وضعت علامة على الحكم مع التعبد بالقياس. فلو لم توجبه في موضع من المواضع لبطل كونها علاقة فافترق الأمران.
فصل: واستدلوا- أيضاً- على وجوب تكرر الفعل بتكرر الشرط، بأنهم وجدوا هذا الحكم في الكتاب نحو قوله تعالى:{إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وجُوهَكُمْ} وقوله تعالى {وإن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} قالوا فقد وجب تكرار الغسل والوضوء بتكرر القيام من النوم وتكرر الجنابة، فصح ما قلناه.
يقال لهم: ليس وجوب تكرر ذلك لتكرر الشرط وموجب اللغة، وإنما وجب تكرر ذلك بالتوقيف والشرع. ولولا إيجاب الشرع لما اقتضاه تكرر الشرط من حيث كان شرطاً، فسقط ما قلتم على أن ما قالوه لا يجب بتكرر الشرط، لأنه لو قام من النوم ولم تجب عليه صلاة أو كان جنباً لم تجب عليه الصلاة لم يجب عليه الغسل ولا الوضوء، وإنما يجبان عليه متى كان جنباً أو قائماً من النوم