وقوله: يا أيها الناس, ويا عبادي, ويا أولي الأبصار والألباب, وأمثال ذلك.
واعلموا- رحمكم الله- إننا لم نوجب خطاب الكافر بالعبادات بقضية العقل وإيجابه لخطابهم بذلك, لأنه قد كان يجوز فيه وضع هذه العبارات عنهم إذا كانوا كافرين وإلزامها المؤمنين, ويجوز- أيضا- اختلاف عبادات المؤمنين فيها، وقد ورد الشرع ⦗٢١٨⦘ فيهم بهذا الجائز فخولت بين فرض الحائض والطاهر والمقيم والمسافر والحر والعبد والذكر والأنثى مع تساويهم في فرض الإيمان والتصديق على جميعهم. ولا شك- أيضا- أنه قد كان جائزا إسقاط العبادات عن الكافرين وإلزامها للمؤمنين. وإنما يوجب تعبدهم بها من ناحية السمع والتوقيف فقط.
فإن قال قائل: وما الدليل على ذلك من جهة السمع؟
قيل له: قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ، ولَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ} وأخبر سبحانه عنهم بحصول العذاب عليهم بترك الصلاة والإطعام, والخوض في لغو القول تحذيرا للمؤمنين من مواقعة مثل ما سلكهم في سقر.
فإن قالوا: ما أنكرتم أن لا يكون في الآية دليل على ما قلتم, لأجل أنه لم يخبر هو سبحانه عن نزول العذاب بهم لترك الصلوات. وإنما أخبر عنهم أنهم قالوا ذلك, وقولهم ليس بحجة ولا دليل.
يقال لهم: هذا باطل، لأن الأمة متفقة، وجميع أهل التأويل على أن الله تعالى مصدق لهم في هذا القول, وأنه إنما أخبرنا به عنهم تحذيرا لسائر المكلفين من تروك الصلوات والإطعام. والخوض بالباطل, وترغيبا في فعل ذلك, ولو كانوا