وأما قولهم: إن الدليل لم يدل على إثبات العزم بدلاً من الفعل، فليس الأمر كذلك، بل قد قام الدليل عليه، وإن كان الأمر به لا يقتضي إثبات بدل منه. وهو أنه إذا ثبت بما قدمناه إن الأمر بالفعل لا يقتضي تعجيله، ولا يوجب تأثيم المؤخر له. ولا يقتضي أن يكون أمراً بفعل جزء من الجنس في وقت معين، وجب أن يكون أمراً بفل واحد من الجنس بغير عينه. ومتى ثبت ذلك وجب تخيير المكلف بين الفعل في كل وقت وبين تركه وفعل مثله فيما بعد. وإذا كان له تركه في كل وقت لم يكن بدا من أن يكون/ ص ٢٤٤ له تركه على خلاف ترك الفعل حتى يفارق تركه ترك الفعل ولا صفة ولا شرط يصح في ذلك إلا تركه بفعل العزم على أدائه قي المستقبل.
ومن الناس من قال ليس هذا العزم بدلاً من الفعل، وإنما له تركه بشرط أن يفعله فيما بعد.
ومنهم من قال: يجب هذا العزم لنفسه عند ترك الواجب على التراخي، والواجب الموسع وقته، وليس ببدل من الفعل. وهذا هو الأولى على ما نبينه من بعد. فبهذه الدلالة وجب مفارقة الواجب للندب.
ويقال لهم - أيضاً-: إن وجب إذا كان لا وقت له إلا وللمأمور ترك الفعل فيه إلى ما بعده أن يكون الفعل ندباً لا واجباً. فما أنكرتم من أن يكون الأمر بضرب رجل منكر لا يكون أبداً إلا ندباً، لاتفاقنا على أنه لا رجل من الناس إلا وله ترك ضربه إلى ضرب غيره، فيجب أن يكون ضرب جميعهم نفلاً. فإن مروا