الندب. وإذا كان ذلك كذلك وضح الطرق بين الأمرين، وبطل ما قالوه في حد الندب.
فإن قال قائل منهم: هذان الشرطان باطلان لا سبيل إلى إثباتهما، لأجل اتفاقنا جميعاً على أن الأمر اقتضى وجوب الفعل إما بنفسه أو بقرينته. وإن ما يقتضي وجوب فعل معين لا يوجب (فعل عزم على فعل مثله بدلاً منه، ولا يوجب) فعل مثله فيما بعد، ولا. شيئاً غيره من سائر الأجناس/ ص ٢٣٤ وإنما يوجب فعله بعينه. وإذا كان هذا مقتضى الأمر بالفعل، وكان الكلام في مقتضاه سقط ما وصفتم، لأن ما قلتموه يوجب التخيير بين الفعل وبين مثله فيما بعد، وبينه وبين العزم على فعل مثله فيما بعده، وهو لا يقتضي التخيير بينه وبين مثله أو بين خلافه، ولا دل - أيضا - على ذلك دليل فيصار إليه. ولو دل عليه لم يكن ذلك من مقتضى الأمر. وإن كان من مقتضى الدليل، وليس الكلام قي مقتضى الدليل، وإنما هو في مقتضى الأمر فبطل ما قلتم.
يقال لهم: ما قلتموه ساقط من وجهين:
أحدهما: أن إطلاق الأمر بالفعل لا يقتضي إيقاع فعل معين من ذلك الجنس المذكور في زمن معين، وإنما يقتضي إيقاع واحد من الجنس بخير عينه وغير معين من الوقت، كما أن قول الآمر اضرب رجلاً لا يقتضي ضرباً معيناً في رجل معين. وإنما يقتضي فعل جزء من الجنس في أي الرجال شاء المكلف. وليس لأحد أن يدفع هذا بأن يقول: ليس للتخيير بين فعل أي أجزاء الضرب شاء، وفي أي الرجال شاء لفظ. والأمر إنما اقتضى ضرباً معيناً في رجل معين فلا وجه للتخيير، لأننا قد بينا فيما سلف إنه إذا لم يعين جزءاً من الفعل ولا وقت له، فقد خيره في أي جزء شاء، وأن يفعله في أي وقت شاء بغير وجه