فصل: فأما صحة تقديم الأمر للفعل فأمر لا خلاف ليه، وإنما نخالفهم في إيجابهم تقدم كل أمرٍ للمأمور به. وقد بينا أن ذلك لا يجب في جميعها، ولا بد أن يتقدم الأمر بالفعل على وجوده عندنا، إما بما لانهاية إله- نحو أمر الله تعالى أوامر غيره- بوقت أو بوقتين فصاعدًا.
فأما إيجابنا لتقدم أمر الله عز وجل للفعل بما لا نهاية له فهو لما قام من الدليل على قدم كلام الله ونفي خلقه، وأنه شيء موجود? لذاك أمر بالفعل قبل وجوده بأن يفعل فيما بعد. فإن أوقع الفعل كان هو بعينه مقارنًا له في حال وقوعه، وأمر له -أيضًا- في تلك الحال. ولو صح بقاء الفعل لخرج عن كونه أمرًا به لاستحالة حدوث الباقي واكتسابه. ولكنه يخرج عن كونه أمرًا به في الثانى، لكونه منقضيًا غير حادث، ولا مما يصح حدوثه فيها? لوجود فنائه وعدمه في ثاني حال وجوده، وإن كان أمرًا به قبل وجوده، وفي حال وقوعه لنفسه، كما تخرج ذات القديم تعالى عندهم وذات قدرته عندنا عن كونهما متعلقين بالمقدور في حال بقائه وحال عدمه في الثاني لحال وجوده، وإن كان قادرًا عليه لذاته وذات قدرته. وقد بينا هذا في الكلام في أصول الديانات. وأشرنا إلى ذلك فيما قبل بما يغني عن رده.
فصل: فأما ما أمر الحدث بالفعل المقارن له فهو غير أمره المتقدم له، وحادث معه، إذا كان قد جدد أمرًا به في حال وقوعه عند كثير من الناس وهذا (هو) الصحيح، لأن أمره المتقدم لا يصح بقاؤه إلى حين وجود الفعل، فيكون