وأما قول من قال منهم: إنه لا يجوز تقدمه بقدر هذه الأوقات، لأنه لا غرض في تقديمه بأوقات تزيد على هذا المقدار، فإنه قول باطل، لأنه قد يكون إحداثه قبل المأمور به بأوقات وسماعه له ترغيبًا وداعيًا له إلى إيقاعه، ولطفًا في استصلاحه، وتسهيلًا لدواعيه إلى الفعل توطينًا لنفسه على إيقاعه. وليفعل في كل وقت عزمًا على أن يؤديه في وقته فيكون مطيعًا بطاعات كثيرةً إلى حين وقوعه. فلا وجه لدعواهم أنه لا وجه ولا معنى لتقديمه أكثر من وقت واحد، فبطل ما قالوه.
وأما قول من حكي عنه منهم: أنه لا بد على هذه المصلحة للمبلغ فقط أو للرعيةً فقط، أوله ولهم? فإنه لا وجه له، ولا دلالةً عليه بل يكفي في ذلك الاستصلاح.
فصل: وأما قول من قال بأنه إذا تقدم على المأمور به بأوقات كثيرةً وجب كونه في جميعها حيًا سليمًا مستكملًا لشرائط التكليف? وإلا لم يحسن تقديم أمره، فإنه قول باطل، بل يجوز أن يكون في سائرها معدومًا غير موجود ولا حي ولا قادر. اللهم إلا أن يكون مواجها بالخطاب، فيجب كونه موجودًا حيًا عاقلًا فقط.
والذي يدل على فساد قولهم أن المأمور إنما يحتاج إلى وجود نفسه وحياته وقدرته وآلته في حالة الفعل، لا في حال كونه مأمورًا به. يبين هذا أنه لو قدم وجوده وأقداره وإكمال آلته قبل وقت الفعل وأنفذ ذلك عند تضيق فرضه لم ينتفع بتقديمه، واستضر بإعدامه ذلك وقت التضييق. ولو قدم أموه بالفعل وأخر إيجاده وتمكينه وإزاحة علله إلى وقت الفعل لصح منه وتأتى، فبان أنه لا يضره