فإن قالوا: فلابد على كل وجه من أن ينويها طاعة مأموراً بها.
قيل لهم: ليس الأمر كذلك، لأننا قد أوضحنا حصول إجماع سلف الأمة على إجزاء هذه الصلاة، وإن لم يصح فيها على قولكم نية الوجوب والطاعة والتقرب مع العلم بأنها معصية حرام، وإذا كان ذلك كذلك كان الإجماع السابق على ما قلناه، فبطل لدعواكم هذه.
فصل: فإن قيل: فأين تجب عليه نية الوجوب وتكون شرطاً لصحة الفرض؟
قيل: فيما يبتدئ به من الصلاة في ملكه، والمأذون له في الصلاة، العالم بأن كون بعض أركان الصلاة معصية يختل التقرب بجملتها، لأنه إنما تصح نية الوجوب في هذه الصلاة. وفيمن هذه حاله. وأما إذا صلى في الغصب من الأرض ومالا يصح له فريضة فيه، ووقعت ممن لا يعلم أنه/ ص ٣٢١ لا يصح التقرب ونية الوجوب بجملة فعل جزء حرام لم تكن نية الوجوب شرطاً لوقوعها فكانت معصية غير المأمور بها، وغير متأتٍ فيها نية الوجوب. وكانت مع ذلك واقعة موقع الفرض المأمور به ومسقطة له. وإذا كان ذلك سقط ما بنوا عليه.
ومما يبين صحة هذا القول إنه لو شرع من لم يبلغ الحلم في صلاة الظهر وقد نواها ظهراً، ثم بلغ في الركعة الرابعة لكانت صلاته عند أكثر الأمة ماضية صحيحة، ولذلك لو صلى أول الوقت، وقد نواها ظهراً، ثم بلغ في وسطه وآخره لكانت عند كثير من الفقهاء ماضية مجزئة، وإن لم يصح ممن لم يبلغ نية الوجوب فيها والتقرب بفعلها للعلم بأنه غير مكلف ولا مفروض عليه شيء.